مقال رأي: شاع في فترة ماضية الحديث عن الشريحة الرقمية التي تُزرع في جسم الإنسان، واستنفر كل من هب ودب عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليغوصوا في “تشريح” هذه التكنولوجيا، وينشروا عنها “شيء بشيق وشيء بليق” كما يقول الدمشقيون، منشورات أقرب إلى الأفلام البوليسية.
ما دفعني إلى اللجوء إلى غوغل للبحث عن ماهية هذه الشريحة السحرية، وطريقة عملها، واستخداماتها، فوجدت ما يلي:
يعتمد مبدأ عمل الشريحة الرقمية الإلكترونية التي تُزرع في جسم الإنسان على تقنية “تحديد الهوية لاسلكياً باستخدام الموجات الراديوية” (Radio Frequency Identification – RFID)، وهي تقنية متطورة تستخدم الموجات الراديوية لتحديد ومراقبة الأشياء أو الأشخاص أو الأجسام عن بعد. تتكون هذه التقنية من ثلاثة عناصر أساسية:
- شريحة أو رقاقة صغيرة توضع على الأشياء أو الأشخاص أو الأجسام، تُخزن عليها بيانات تحوي رقماً تسلسلياً ومعلومات أخرى، وتسمى “علامة RFID”، تتصل بهوائي للموجات الراديوية.
- قارئات RFID تتواصل لاسلكياً مع تلك الرقائق (العلامات).
- نظام برمجي يدير المعلومات المجمعة ويعالجها.
عندما تستقبل الرقاقة موجات راديو صادرة عن قارئ RFID، تستجيب بشكل يفيد في تحديد الهوية. أبسط مثال على ذلك هو السيارة ومفتاحها الإلكتروني، حيث تكون الرقاقة مثبّتة في السيارة، والمفتاح هو قارئ RFID.
إذن، المعلومات التي يتم نقلها هي عبارة عن معرِّف، ويحدث هذا التعرف كلما التقت رقاقة RFID بقارئ لها، سواء كانت الرقاقة موجودة في مفتاح السيارة، أو بطاقة ائتمان، أو مادة مخزنة في مستودع، أو حتى “مغروسة في اليد” وهنا بيت القصيد.
وعلى عكس الرمز الشريطي Barcode، لا تتطلب RFID اتصالاً أو رؤية مباشرة.لا يوجد مخترع محدد لهذه التقنية، لكن الفكرة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، حيث يُذكر أن العالم والمخترع السويدي هاري ستوكمان تحدّث عن تقنية تحديد الهوية باستخدام موجات الراديو في بحثه “الاتصالات عن طريق الطاقة المنعكسة” (1948).
واستغرق الأمر بضعة عقود أخرى قبل أن تصبح تقنية تحديد الهوية لاسلكياً قابلة للتطبيق، حيث استخدمت أولاً لتتبّع المواد النووية خلال الحرب الباردة، ثم في أواخر التسعينيات طوّر الباحثون في معهد MIT بأمريكا الفكرة، وقدّموا منظومة متكاملة يتم فيها تخزين رقم تسلسلي على الشريحة وتخزين البيانات على كمبيوتر، ومن ثمّ ربطه بالإنترنت.
استخدمت تلك التقنية في سلسلة سوبر ماركت العالمية وول مارت Walmart، وفي وزارة الدفاع الأمريكية.
من تلك المرحلة فصاعداً، تخطّت هذه التقنية مرحلة تحديد الهوية، وأصبحت أبسط تطبيقاتها: تتبع الأطفال والحيوانات الأليفة والماشية، تتبع الأغراض المفقودة، مبيعات التجزئة، مراقبة وإدارة المخزون، التصنيع، تتبع الأصول والمعدات، لوجستيات الشحن وسلاسل التوريد، الدفع ببطاقة الائتمان، الرعاية الصحية، وغيرها الكثير.
ثمّ ما لبثت أن سلكت مساراً مثيراً للجدل، وهو تقنية زرع شرائح تحت الجلد (A Human Microchip Implant) التي تستخدم معيار تردد منخفض جداً، مثل جهاز تحديد الهوية RFID المغلف بزجاج السليكات، والذي يتم زرعه في جسم الإنسان تحت الجلد عن طريق الحقن عادة.
تم زرع شريحة إلكترونية دقيقة لأول مرة في الإنسان في عام 1998، لكن لم تتوفر هذه التكنولوجيا تجارياً إلا بدءاً من عام 2010. عادة ما يحتوي هذا النوع من الغرسات تحت الجلد على رقم هوية فريد يمكن ربطه بالمعلومات المخزنة في قاعدة بيانات خارجية، مثل وثيقة الهوية، السجل الجنائي، التاريخ الطبي، الأدوية، دفتر العناوين، وغيرها من الاستخدامات المحتملة.
تتكون الغرسة من شريحة إلكترونية دقيقة وهوائي مغلف ببوليمر حيوي (وهي مادة طبيعية المصدر تشبه البلاستيك)، وتزن أقل من جرام وحجمها أكبر قليلاً من حبة الأرز. وتقول إحدى الشركات الصانعة لشرائح الدفع القابلة للزرع: “يمكن استخدامها لدفع ثمن مشروب، أو قهوة، أو قصة شعر، أو في متجر البقالة… ويمكن استخدامها في أي مكان يتم فيه قبول المدفوعات غير التلامسية”.
معن حيدر
مقالات الرأي تعبر عن رأي كُتابها وليس بالضرورة عن SWED 24