SWED24: في عالم يزداد تعقيداً، يصبح التحكم في المشاعر والانفعالات عاملاً حاسماً في تحقيق التوازن النفسي والذهني. يقدم إيثان كروس، أستاذ علم النفس بجامعة ميشيغان ومدير مختبر المشاعر وضبط النفس، مجموعة من الأدوات والاستراتيجيات الفعالة في كتابه الجديد “تحوّل: كيف تدير مشاعرك حتى لا تسيطر عليك”، والتي تهدف إلى تحسين قدرة الأفراد على التعامل مع التحديات العاطفية.
المشاعر السلبية.. هل يجب التخلص منها؟
ثمة اعتقاد شائع بأن المشاعر تنقسم إلى إيجابية وسلبية، وأنه ينبغي التخلص من الأخيرة تماماً، لكن كروس يرى أن هذا التصور غير دقيق. فالمشاعر، بجميع أنواعها، تؤدي وظائف مهمة؛ الغضب قد يكون دافعاً لتصحيح الظلم، الحزن يساعد على إعادة التكيف مع التغيرات، والحسد يمكن أن يحفز على تحقيق الأهداف.
ويشبّه كروس المشاعر بالألم الجسدي؛ فكما أن الشعور بالألم يحمينا من الأذى الجسدي، فإن المشاعر السلبية تساهم في تعزيز وعينا واستجابتنا للمواقف المختلفة.
كيف نتحكم في انفعالاتنا؟
يرى كروس أن الاعتقاد بعدم القدرة على التحكم في المشاعر يعدّ أحد العوائق الرئيسية التي تمنعنا من إدارتها بفاعلية. ويؤكد أن الإنسان قد لا يستطيع منع المشاعر من الظهور، لكنه قادر على التحكم في كيفية التعامل معها.
ولتعديل طريقة التعامل مع المشاعر الصعبة، يقترح عدة استراتيجيات، منها:
- الموسيقى: رغم أن معظم الناس يستمعون للموسيقى للاستمتاع، إلا أنها أداة فعالة لتعديل الحالة المزاجية والتعامل مع المشاعر السلبية.
- البيئة المحيطة: تغيير الأماكن التي نتواجد فيها يمكن أن يكون له أثر بالغ في تحسين المزاج. حتى لو لم يكن السفر خياراً متاحاً، فإن الذهاب إلى أماكن معينة تمنح شعوراً بالطمأنينة قد يساعد على استعادة التوازن العاطفي.
- التحدث مع النفس بصيغة الغائب: عند مواجهة موقف صعب، يمكن أن يساعد الحديث مع النفس باستخدام الاسم الشخصي أو ضمير المخاطب “أنت” في تهدئة المشاعر، كما لو كان الشخص يواسي صديقاً مقرباً.
- السفر الذهني عبر الزمن: التفكير في تأثير المشكلة بعد أيام أو شهور يمكن أن يساعد في وضعها في سياقها الصحيح، ما يقلل من شدتها ويمنح منظوراً أوسع للتعامل معها.
التجنب والإلهاء.. أدوات نفسية فعالة؟
يُنظر عادةً إلى “التجنب” أو “الإلهاء” على أنهما استراتيجيتان غير صحيتين للهروب من المشكلات، لكن كروس يرى أن استخدامهما بذكاء قد يكون مفيداً. فعلى سبيل المثال، عند مواجهة موقف مزعج، قد يكون من الحكمة عدم الانشغال به فوراً، بل إعطاء النفس فرصة للهدوء من خلال الانخراط في نشاط مختلف، ثم العودة إليه لاحقاً برؤية أكثر هدوءاً.
المقارنات الاجتماعية.. كيف نجعلها دافعاً لا عبئاً؟
يميل الإنسان بطبيعته إلى مقارنة نفسه بالآخرين، وهو ما قد يسبب الإحباط إذا لم يُحسن التعامل معه. ولكن يمكن إعادة صياغة هذه المقارنات بحيث تصبح دافعاً للتحفيز بدلاً من أن تكون مصدراً للإحباط. فبدلاً من الشعور بالنقص عند رؤية نجاح الآخرين، يمكن النظر إليهم كمصدر إلهام يدفعنا لتحقيق أهدافنا الخاصة.
الملاذ الآمن.. كيف تصنع بيئة تساعدك على الهدوء؟
يؤكد كروس أن الإنسان يستطيع تصميم بيئته الخاصة بحيث تصبح مصدراً للسكينة، مشيراً إلى أن النباتات والصور الطبيعية لها تأثير مهدئ مثبت علمياً. حتى صور الأحباء يمكن أن تسهم في تعزيز الشعور بالأمان وتقليل التوتر، كما أظهرت بعض الدراسات.
ختاماً.. استراتيجية شخصية لإدارة المشاعر
عندما يواجه كروس موقفاً صعباً، يعتمد على نهج متكامل يجمع بين التفكير العميق والتواصل مع أشخاص داعمين، إضافة إلى اللجوء إلى أماكن تمنحه الراحة النفسية، مثل الحدائق والمساحات الطبيعية. هذه الأدوات، كما يرى، ليست مجرد تقنيات عشوائية، بل استراتيجيات واعية تهدف إلى تعزيز القدرة على التعامل مع المشاعر بمرونة وذكاء.
باختصار، التحكم في المشاعر ليس أمراً مستحيلاً، بل هو مهارة يمكن تطويرها باستخدام الأدوات المناسبة، مما يتيح لنا العيش بحالة نفسية أكثر استقراراً وتوازناً.