في ليلة قمراء دافئة، تلألأتْ في سمائها النجوم، ولم تزقزق العصافير لأنها كانت نائمة نزلتْ مجموعة من الساكنين في المجمّع الذي نقطنه للسهر والسمر في حديقته الداخلية، واستمرتْ سهرتهم الصاخبة وأصواتهم الهادرة باللغة العربية حتى ساعة متأخّرة من الليل، رغم أنّه كان ليس يوم عطلة، والسهر (المزعج) محدّد حتى الساعة العاشرة ليلًا فقط.
وفي الصباح الباكر أيقظتنا أصوات مجموعة كبيرة من الغربان وهي تنبش في قشور بزر عبّاد الشمس وفي أكياس النايلون المليئة بفضلات الطعام.
تركوها مكان سهرتهم على الأرض ولم يكلّفوا أنفسهم عناء وضعها في سلّات المهملات المنتشرة في الحديقة.
بادرتُ للنزول إلى الحديقة لمساعدة موظّفة التنظيف، فوجدت شابين وفتاتين يتكلمون بالعربية سبقوني لمساعدتها أيضاً، وقمنا بلمّ النفايات التي (طرشتها) الغربان في أرجاء الحديقة.
استعرضتُ في منشور سابق حال المغتربين الناطقين باللغة العربية من منطقتنا شرق الأوسطية، تحدّثتُ فيه عن اللوحة الزاهية التي يشكلونها في بلاد اغترابهم، واللّون الأبيض الذي يطغى عليها.
وسأحدّثكم اليوم عن البقع الرمادية، المائلة للسواد أحيانًا، التي تشوّه بياض اللوحة، وتُوجع القلب قبل أن تؤذي البصر
هي ثقافة حملها البعض منّا وجاء بها إلى بلاد الاغتراب لا يستطيع منها فكاكًا، أو بالأحرى لا يريد!
ومن هنا جاء العنوان (كوبي بيست) نسخ من هناك، ولصق هنا.
عدم التمييز بين العام والخاص، ولا بين الواجبات والحقوق والاستهتار بالممتلكات العامة وتوسيخها وإساءة استعمالها، وأحيانًا التعدّي عليها تعبيرًا عن غضب غالبًا ما يكون مصطنعًا أو تحريضيًا ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يتعدّاه إلى ممارسة بعض أنواع الاحتيال والنصب بحجج ومبررات مختلفة، مثل التهرّب الضريبي و ادّعاء الإفلاس أو افتعال الحرائق والسرقات لأجل الحصول على التأمين، ويتعدّاه أيضًا إلى نوع من الانغلاق والتعصّب والعصبية بأشكالها كافة: الأيدلوجية والدينية والطائفية والعرقية والقومية، بل حتى المناطقية، وأيضًا إلى بعض الممارسات ذات الطابع الإداري، وفيها يتبدّى الـ (كوبي بيست) جليًا:
وفي هذا المجال سأورد لكم ثلاث قصص طريفة سمعتها من أصدقاء ثلاث:
القصة الأولى
سمعتها من صديق يعيش في السويد، عندما أراد أنْ يقيم نشاطًا في إطار الاندماج الثقافي، فلجأ إلى إحدى المؤسسات الخاصة المعنيّة بهذا النوع من النشاطات، قال لي:
((فرحتُ عندما وجدتُ أنّ الموظّف المكلّف بالاندماج عربي، إلّا أنّ (فرحتي لم تصل إلى قرعتي) كما يقولون، أي لم تطل))
وتابع: ((كلّما ذهبتُ لمراجعة هذا الموظف كنتُ أجده متذمّرًا (يقاتل دبّان وجهه) …
والله يا رجل أدّ ما كان يتأفف ع أساس مو فاضي والشغل لفوء راسو، بيطلع أدّامو لوفين عاطل عن العمل )) ولوفين هو رئيس وزراء السويد آنذاك، وأدّامو: يعني مقارنة به.
القصة الثانية
سمعتها من صديق يعيش في ألمانيا، وهو حِرَفي ماهر يعمل في إحدى مصانع السيارات هناك، وبحكم عمله انتسب إلى جمعيتين حرفيتين إحداهما ألمانية والأخرى للناطقين بالعربية ومن جملة ما حكى لي عن الجمعيتين، قال إنّه عندما يذهب في رحلة مع الجمعية الألمانية مثلًا، يقوم رئيس الجمعية بتفقّد كل الأعضاء وهم يدخلون البولمان، ثم يصعد إلى الباص ليجلس في آخر مقعد هو ومعاونه الذي يساعده في كل شيء ويحدث الشيء نفسه في المطعم وبالمقارنة مع الجمعية الأخرى، يصعد رئيس الجمعية إلى البولمان أول الناس ويجلس في المقعد الأوّل اليميني وتجلس معاونته في المقعد الأوّل اليساري وعلى جميع الأعضاء أن يسلّموا عليهما أثناء دخولهم البولمان لينالوا الرضا.
وفي المطعم، يدخل (المعلّم) و(معاونة المعلم) أوّل الناس ويجلسا على طاولتين متجاورتين، ثم يبدآ بتوجيه نداءاتهما للأعضاء ليجلبوا لهما الأكل
والأنكى من ذلك هو الكيديات و(طق البراغي) والتحالفات بين أعضاء الجمعية، خاصة تلك التي تقودها المعاوِنَة في سعيها لإزاحة رئيس الجمعية الذي ناهز الثمانين من العمر والعشرين في رئاسة الجمعية.
القصة الثالثة والأخيرة
أما الثالثة والأخيرة فقد حكتها لي صديقة تعيش في فرنسا، وهي متقاعدة تشغل وقتها بهواية المشغولات اليدوية
وكانت تعرض نماذج من أعمالها في النشاطات التي تقيمها البلدية.
في أحد الأيام اتصلتْ بها سيدة، ناطقة باللغة العربية، وعرضتْ عليها أنْ تشارك في ورشة عمل عن الأشغال اليدوية
رحّبتْ الصديقة بالفكرة، وعندما اتصلتْ لاحقًا بالسيدة لتسألها عن بعض التفاصيل، واجهتْ منها تذمّرًا وتأفّفًا، وعلِمتْ أنّ السيدة تريد أنْ تضع كل شيء باسمها وتلغي اسم الصديقة نهائيًا
فاعتذرتْ الصديقة عن المتابعة …
ختامًا أودّ التنويه أنّ هذه النسبة القليلة من اللون الرمادي تشمل الناطقين باللغة العربية بأطيافهم كلها، طبعا يشاركهم في ذلك باقي أطياف المغتربين من أفريقيا وشرق آسيا .. كلّنا بالهوى سوا
وإلى اللقاء