نشرت صحيفة أفتونبلادت السويدية مقال رأي بقلم الكاتبة إيرينا بوجار، وهي صحفية وكاتبة بارزة تشغل منصب كاتبة عمود إخباري في الصحيفة منذ عام 2023. عملت بوجار سابقًا في Nyheter24، بونيير ماغازينز، وإكسبريسن، كما شغلت منصب رئيسة تحرير مجلة Veckorevyn، وحصلت على جائزة “صحفية العام” لعام 2020 من قبل رابطة المجلات السويدية.
في مقالها، تسلط بوجار الضوء على ازدواجية التعامل مع المهاجرين في الخطاب السياسي والإعلامي في السويد، متسائلة عما إذا كان لا بد من وقوع مجزرة حتى يتم النظر إلى المهاجرين كأفراد وليس كقضية سياسية.
المهاجرون: قضية سياسية إلا عندما يكونون ضحايا مجازر جماعية
في كل يوم من السنة، تكون الهجرة والمهاجرون محور الجدل السياسي في السويد، إلا عندما يكونون ضحايا لمجزرة جماعية، عندها يتم تجريد النقاش من أبعاده السياسية وتقديمه كحادثة فردية. هذا ما تطرحه التساؤلات حول كيفية التعامل مع الهجوم الدموي الذي وقع في مدرسة ريسبيرجسكا في أوربرو، حيث قتل رجل سويدي أكثر من عشرة مهاجرين في واحدة من أبشع المجازر في تاريخ البلاد الحديث.
تغطية إعلامية وانتقائية في التوصيف
أدى الهجوم إلى حالة من الحزن والتعاطف الوطني، حيث سارع السياسيون والمسؤولون إلى التعبير عن تضامنهم مع الضحايا وأسرهم. لكن في الوقت ذاته، ترى بوجار أن هذا التعاطف لم ينعكس سابقًا في الخطاب السياسي والإعلامي تجاه المهاجرين، الذين غالبًا ما يتم اختزالهم في قضايا الجريمة والاندماج، دون الاعتراف بإنسانيتهم وأدوارهم المختلفة في المجتمع.
من هم الضحايا؟
ببطء ولكن بثبات، بدأت أسماء الضحايا تتكشف: سليم إسكيف، بسام الشيح، وإلسا تيكلاي، إضافة إلى سبعة آخرين فقدوا حياتهم في الهجوم. هذه الأسماء لم تكن مجرد أرقام في قائمة الضحايا، بل كانت لأشخاص لهم قصصهم وأحلامهم وحياتهم.
• بسام، الذي كان يعمل في المخبز قبل أن يذهب إلى دروس اللغة السويدية.
• سليم، الذي عمل كمساعد شخصي وكان يحمل المرضى بين ذراعيه لمساعدتهم.
• إلسا، التي تركت خلفها أربعة أطفال فقدوا والدتهم للأبد.
اليوم، يريد المجتمع أن يسمع قصصهم، أن يعرفهم كأفراد، وليس فقط كأرقام في مأساة إنسانية.
الخطاب السياسي وتأثيره على الحوادث العنيفة
تتناول بوجار في مقالها كيف تأتي هذه المجزرة في وقت تصاعد فيه الخطاب السياسي المتشدد تجاه المهاجرين، حيث تم ربط الهجرة بشكل متكرر بارتفاع معدلات الجريمة. قبل أيام فقط من الهجوم، تحدث رئيس الوزراء أولف كريسترسون عن العلاقة بين الجريمة والهجرة، وهو خطاب تكرره بعض الأحزاب اليمينية بشكل مستمر.
لكن عندما وقع الهجوم، تم نزع الطابع السياسي عن الجريمة، ولم يتم الحديث عن التحريض المستمر ضد المهاجرين باعتباره عاملاً يمكن أن يساهم في التطرف والراديكالية.
كريسترسون: التضامن مع الضحايا دون تحميل الخطاب السياسي المسؤولية
في تصريحاته عقب الحادثة، قال رئيس الوزراء أولف كريسترسون:
“نحن نقف بجانبكم، كل السويد تحمل معكم هذا الحزن.”
لكن التساؤل المطروح هنا، وفقًا لبوجار، هو: من هم “نحن”؟
• هل هم نفس السياسيين الذين يستخدمون الهجرة كورقة انتخابية، لكنهم يرفضون الاعتراف بدور الخطاب التحريضي في تأجيج الكراهية؟
• هل هم نفس الأصوات التي تربط بين الهجرة والجريمة، ثم تتفاجأ عندما يقرر أحد المتطرفين استهداف المهاجرين بشكل مباشر؟
• هل هم نفس المسؤولين الذين بنوا سياساتهم على التحالف مع أحزاب قضت عقودًا في التحريض ضد المهاجرين؟
المسؤولية تمتد إلى ما هو أبعد من الجاني
رغم تأكيد كريسترسون أن “المسؤولية عن الوفيات تقع على مرتكب الجريمة”، إلا أن هناك مسؤولية أخرى تتجاوز الجاني نفسه. فالسياسيون والإعلاميون الذين يساهمون في خلق بيئة معادية للمهاجرين لديهم أيضًا مسؤولية أخلاقية في وقف اللغة اللاإنسانية التي تؤدي إلى التطرف.
“حان وقت إثبات النوايا”
تختتم إيرينا بوجار مقالها بالدعوة إلى تحمل المسؤولية الحقيقية، قائلة إن المجتمع السويدي يحتاج اليوم إلى إثبات جديته في محاربة خطاب الكراهية، وليس فقط التعبير عن الحزن بعد وقوع الفاجعة. العدالة الحقيقية، بحسب بوجار، لا تتحقق فقط عبر إدانة الجاني، بل من خلال مراجعة شاملة للخطاب السياسي والإعلامي الذي يمهد لمثل هذه الجرائم.
وتطرح تساؤلًا أخيرًا:
🔹 هل سيأخذ السياسيون مسؤولياتهم هذه المرة؟ أم أن التعاطف سيظل مؤقتًا وسيتلاشى كما حدث في مرات سابقة؟
الجواب متروك للأفعال القادمة، وليس فقط للبيانات الرسمية.