أطلقت السلطات السويدية تحقيقاً في المدفوعات المشبوهة لشركة «إريكسون» (وهي شركة سويديّة المنشأ) حول عملها في السوق العراقيّة بين عامَي 2011 و2019.
بنيت هذه التحقيقات على ما تضمّنته وثائق مسرّبة في شباط الماضي من نتائج تحقيقات داخليّة أجرتها «إريكسون» بشأن عمليات اختلاس وفساد. وشملت التحقيقات رشى لشركات متعاقدة، ومنافع شخصية لبعض العاملين، إضافة إلى تعاملات مع «داعش» في العراق.
عندما يتعلق الأمر بالولوج إلى الأسواق واستغلالها بالحدّ الأقصى، فليس مستغرباً أن تعمد الشركات الأجنبية التي تدّعي «الحوكمة» إلى آليات الفساد والإفساد من أجل تحقيق مآربها في المزيد من الربحية القائمة على توسيع الحصص السوقية. في الواقع، هذا ما فعلته «إريكسون» في العراق بين عامَي 2011 و2019.
أنفقت مبالغ طائلة من أجل الفوز بحصّة سوقية أوسع. لا بل كان يمكن القول أن الهدف الأشمل هو قطع الطريق أمام استثمارات «هواوي» حيث يمكن في أفريقيا وآسيا. السوق العراقية ليست وحدها سوق التنافس، وإن كان فساد إريكسون انكشف هناك، بل هو تنافس محموم بين عملاقين في سوق الاتصالات العالمية. «هواوي» هي الشركة الصينية التي طوّرت تقنية الـ5G، في مقابل ضعف التكنولوجيا الغربية التي تقودها «إريسكون» بدعم أميركي من أجل تطوير تقنية الجيل الخامس للاتصالات. «إريكسون» لديها حصّة سوقية عالمية بنسبة 15% في مقابل «هواوي» التي تملك 30%.
ولو أتيح لـ«هواوي» نشر تكنولوجيا الجيل الخامس على نطاق أوسع أبعد من الـ1000 عقد الحالي حول العالم، لكانت كبّدت منافستها خسائر ضخمة وقادت تكنولوجيا الاتصالات وأرباحها نحو مستوى مختلفة كلياً في العالم. لكن الدعم الأميركي لـ«إريكسون» كان كبيراً في مقابل الحرب ضدّ «هواوي» التي كان لها بُعد أمني بعد سجن ابنة رئيس الشركة في كندا. فالشركة السويدية المنشأ التي تحوم حولها الشبهات، سوقها الأكبر في أميركا حيث فازت في 2021 بعقد قيمته 8.3 مليارات دولار في الولايات المتحدة من أجل تأمين معدات الوصول إلى الشبكة اللاسلكية. ومع الحكومة الأميركية فازت بعقود قيمتها 113 مليون دولار من 2008 لغاية اليوم. فالولايات المتحدة لم تعر أي اهتمام للأحكام الصادرة بحقّ «إريكسون» في تهم الرشوة في خمسة بلدان: جيبوتي، الصين، فيتنام، أندونيسيا، الكويت. لكن «إريكسون» تفوّقت على نفسها، وقرّرت أن توسع عمليات الفساد لتشمل تمويل «داعش»، ما يُثير الكثير من الشبهات حول العلاقة التي تربط داعش بأجهزة أميركية من خلال هذه الشركة وربما غيرها من الشركات.
في ما يلي بعض عمليات الفساد التي وردت ضمن التحقيقات الداخلية التي كشف عن وثائقها «الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين»، والتي استندت إليها وكالة مكافحة الفساد السويدية، لفتح تحقيقات أوسع وأشمل عن استغلال بيئة الفساد في العراق وربما في دول أخرى أيضاً، ما سيفتح الباب واسعاً أمام مقارنة أهداف الشركة في تحقيق أرباح إضافية بعيداً عن مبادئ النزاهة التي تدّعي أنها تتمسّك بها.
50 ألف دولار للبيشمركة
عام 2014 دفعت «إريكسون» مبلغ 50 ألف دولار لقوات «البيشمركة» (القوات العسكرية الكردية) في كردستان «لمحاربة داعش». وقد أتى هذا الأمر بطلب من أحد موظفي الشركة، ووافق المسؤولون التنفيذيون على دفع المبلغ بهدف الحصول على رضى سيروان البرزاني، وهو قيادي في الميليشيا الكردية. مع العلم أنّ البرزاني مساهم رئيسي في شركة «كوريك»، وهي أحد عملاء الشركة السويدية في كردستان. وقد أتت هذه الدفعة تلبية لطلب البرزاني نفسه. وبحسب هذا الطلب الرسمي، كان التبرّع لمصلحة الأطفال اللاجئين والنازحين في كردستان، وقد تمّ الدفع من خلال مؤسّسة خيرية. وتصنّف هذه العمليّة، بحسب التحقيق، تحت تصنيف الرشوة والفساد التي تورّطت بها الشركة في كردستان.
171 ألف دولار لداعش
دفعت شركة «إريكسون» في العراق مبلغ 171 ألف دولار عام 2016 لقاء حصولها على ممرّ آمن لمعدّاتها عبر الأراضي التي تسيطر عليها داعش. وعبر هذا الطريق تخطّت معدات الشركة السويديّة أجهزة الجمارك العراقية. وبحسب تقرير «إريكسون» الداخلي، استفادت الشركة من هذا الطريق بعدما رفعت الحكومة العراقيّة الرسوم الجمركية من معدل يُراوح بين 10% و15% إلى 25%. الرشوة كان هدفها الحصول على خيار «الطريق السريع» لشركة «كارغو عراق» من أجل نقل المعدات بشكل أسرع، إلا أن الشركة العراقية ليست مورّداً رسمياً لشركة «إريكسون» وهو ما يفسّر تسديد المبلغ بشكل نقدي.
بهذه الطريقة تمكنت الشركة السويدية من التهرّب من دفع الرسوم الجمركية للسلطات العراقية بواسطة استخدامها طريقاً غير شرعي تؤمنه داعش. لكن هذا الأمر يثير تساؤلاً عما إذا كانت الشركة السويدية تموّل داعش – المنظمة المصنّفة دولياً إرهابية.
308 آلاف دولار اختلاس
بحسب التحقيقات الداخلية في شركة «إريكسون» تبيّن أن أحد الإداريّين في الشركة في العراق، روجيه أنطون (لبناني)، اختلس نحو 308 آلاف دولار على دفعات، إذ كانت مخصصة لأحد موردي الأدوات لـ«إريكسون» في العراق. وتبيّن أن هذا المورّد استُخدم كواجهة بهدف اختلاس الأموال فقط. يذكر التحقيق أنّ أنطون أعاد الأموال إلى الشركة بعد كشفه.
10.5 ملايين دولار للتلاعب
حصلت شركة «الأوسطية»، الشركة الشقيقة لشركة «الأوسط»، على 10.5 ملايين دولار من «إريكسون»، مقابل عقد «إريكسون» مع وزارة الدفاع «Cell on Wheels». وقد اتفقت «إريكسون» مع شركة «الأوسطية» كمقاول، بعد مناقصة تم التلاعب بها، من قبل موظفي «إريكسون» المحليين. وبعد التحقيق في العروض المقدّمة، تبيّن أن عرض «الأوسطية» حصل على علامة 10/10 و أظهر أن هناك فرقاً هائلاً بين عرضها وعروض الشركات الأخرى. هذا الأمر أظهر أن هناك عملية تلاعب حدثت لإعطاء المناقصة لـ«الأوسطية».
1.2 مليون دولار (خدمات)
دفعت «إريكسون» مبلغ 1.2 مليون دولار لرازش برزاني، وهو من العائلة التي تمتلك أغلبية الأسهم في شركة «كوريك»، التي تعمل معها «إريكسون»، كما أنها هي العائلة الحاكمة في كردستان. وبحسب تحقيقات الشركة، هذا المبلغ دُفع لقاء خدمات استشارية غير واضحة المعالم. كما أن عملية الدفع هذه لم تكن تحدث بشكل رسمي، بل بطرق ملتوية، وتلبية لطلب مباشر من رازش برزاني نفسه بسبب علاقته بالعائلة الحاكمة.
40 ألف دولار «سياحة»
دفعت شركة «إريكسون» كلفة سفر وزير الاتصالات اللبناني حينها، بطرس حرب، وزوجته إلى السويد عام 2015. تضمّنت هذه الأكلاف تذاكر طائرات درجة أولى للوزير وزوجته، إضافة إلى كلفة ليموزين للزوجة لزيارة المعالم السياحيّة في ستوكهولم، وبعض الهدايا. وأقرّ الوزير السابق في حديث لقناة «بي بي سي» بأنّ «أكلاف تذاكر الطيران والمواصلات والإقامة كانت على عاتق شركة إريكسون»، لكنه نفى تلقّي «هدايا أو مزايا خاصّة»!
188 ألف دولار نفقات شخصية
الغرض من دفع هذا المبلغ كان لأجل إنشاء موظفي إريكسون صندوقاً غير رسمي باستخدام نقود غير مسجلة من «مخطط بيع الخردة»، وهو عبارة عن بيع المعدات التي تم إيقاف تشغيلها. وكان ذلك من أجل بيع الأدوات الخارجة عن الخدمة في حوالى 2000 مشروع مشترك بين «إريكسون» و«آسياسيل». واتضح في تحقيق الشركة أن الأموال استُخدمت لدفع بدل إقامات في فنادق ووجبات عشاء ومكافآت وحفلات ونفقات شخصية، استفاد منها موظفو شركة «إريكسون» والشركات المقاولة.
500 ألف دولار خدمات أمنية
دفعت «إريكسون» 500 ألف دولار لشركة «آسياسيل» مقابل بند «خدمات أمنية» غير واضحة. وقد حصل هذا الأمر خلال تنفيذ مشروع «بيروزا»، الذي تضمّن تجميع واختبار وتخزين معدات الاتصالات اللازمة لتحديث الشبكة. وُضع هذا البند في العقد بطلب من رئيس المجلس التنفيذي لشركة «آسياسيل»، طارق السعدي. وخلصت تحقيقات الشركة إلى أن هذا المبلغ كان بمثابة عمولة للرئيس التنفيذي المذكور، على أن يضمن هذا الأمر المزيد من العمل بين الشركتين. كما يظهر تحقيق الشركة، أنها لم تتلقَّ أي خدمات أمنية من شركة «آسياسيل»، ما أثبت أن هذه العملية كانت رشوة للمدير التنفيذي للشركة.
98 ألف دولار تكاليف سفر
جرى دفع تكاليف سفر لبعض ممثلي وزارة الدفاع العراقيّة إلى إسبانيا والسويد على حساب إريكسون، وبلغت قيمة ذلك 98 ألف دولار. ويُذكر أنّ وزارة الدفاع هي أحد أكبر عملاء الشركة السويدية في العراق، ما يُشير إلى أن هذا الأمر هو بمثابة رشوة قُدمت للفوز بمزيد من المشاريع.