نشرت “بي بي سي عربية” مقالًا للكاتب كريس بارانيوك يستعرض فيه استراتيجيات الدول المختلفة في التعامل مع جائحة كوفيد-19، مسلطًا الضوء على السويد باعتبارها واحدة من الدول القليلة التي رفضت فرض إغلاق شامل، واتبعت نهجًا مغايرًا مقارنة بجيرانها الأوروبيين.
السويد تسبح ضد التيار العالمي
وفقًا للمقال، فإن معظم دول العالم لجأت في مارس/آذار 2020 إلى إجراءات صارمة للحد من انتشار الفيروس، بما في ذلك الإغلاق العام، والعمل من المنزل، وإغلاق المدارس والأماكن العامة. لكن السويد، إلى جانب دول أخرى مثل تايوان وأوروغواي وأيسلندا، اتخذت مسارًا مختلفًا، حيث لم تفرض إغلاقات شاملة، وبدلاً من ذلك، اعتمدت على إجراءات أقل تقييدًا، مثل منع التجمعات الكبيرة وتشجيع التباعد الاجتماعي.
يقول المقال إن الدول التي فرضت الإغلاق، مثل النرويج والدنمارك وفنلندا، سجلت معدلات إصابة ووفيات أقل في المرحلة الأولى من الوباء، لكنها في المقابل تكبدت خسائر اقتصادية كبيرة. أما السويد، فقد أبقت المدارس والمطاعم والمتاجر مفتوحة، بينما اكتفت بتوصيات الصحة العامة والتوعية، مما أثار جدلاً عالميًا حول مدى نجاح هذا النهج.
“لم يكن هناك شوارع مهجورة في السويد”
ينقل التقرير عن السويدية أنّا مكمانوس، وهي مدونة مقيمة في غوتنبرغ، كيف أنها كانت تدرك منذ البداية أن الحكومة السويدية ستتخذ موقفًا مختلفًا عن باقي الدول الأوروبية. وقالت أن السويديين واصلوا حياتهم اليومية بشكل شبه طبيعي، بينما كانت دول مجاورة تفرض قيودًا مشددة، وتمنع الناس حتى من التنزه مع كلابهم. ومع ذلك، أعربت مكمانوس عن قلقها بشأن مدى التزام المواطنين بالإجراءات الوقائية الطوعية.
معدلات الوفيات.. هل أخطأت السويد؟
تستشهد “بي بي سي عربية” في مقالها بدراسة أجراها المعهد النرويجي للصحة العامة، والتي قارنت معدلات الوفيات بين السويد والنرويج والدنمارك وفنلندا. وأظهرت الدراسة أن السويد سجلت معدلات وفيات أعلى في الموجات الأولى للوباء خلال ربيع وشتاء 2020، مقارنة بجيرانها.
لكن المفاجأة كانت أنه بحلول عامي 2021 و2022، انخفضت معدلات الوفيات في السويد مقارنة بالدول الثلاث الأخرى، ما يشير إلى أن الاستراتيجية السويدية قد تكون قد حققت نتائج إيجابية على المدى الطويل.
الاقتصاد السويدي استفاد من النهج المختلف
على الرغم من الانتقادات التي واجهتها الحكومة السويدية، يشير المقال إلى أن الوضع الاقتصادي في السويد كان أفضل نسبيًا مقارنة بالدول التي فرضت الإغلاق. فبينما سجلت دول مثل بريطانيا انكماشًا اقتصاديًا حادًا، نجحت السويد في تجنب أسوأ الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الإغلاقات.
وجهات نظر متباينة حول نجاح الاستراتيجية
لا يزال قرار السويد بعدم الإغلاق مثار جدل واسع، حيث يرى البعض أنه كان قرارًا صائبًا حافظ على الاقتصاد والحريات الفردية، بينما يعتبره آخرون خطوة خاطئة كلفت أرواحًا كان يمكن إنقاذها.
من بين المنتقدين للسياسة السويدية، تنقل “بي بي سي عربية” عن نيلي بروسيلايرس، وهي باحثة سويدية في علم الأوبئة، قولها إن الاستراتيجية السويدية لم تكن الأفضل، مشيرة إلى أن بعض السويديين لا يزالون ينكرون خطورة الفيروس حتى اليوم.
ما الدروس المستفادة؟
بعد خمس سنوات على بداية الجائحة، يقول التقرير إن الدول التي فرضت إغلاقات صارمة ربما نجحت في الحد من تفشي الفيروس على المدى القصير، لكنها دفعت ثمنًا اقتصاديًا باهظًا. أما السويد، فقد سجلت معدلات وفيات أعلى في البداية، لكنها تجنبت التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للإغلاق التام.
ورغم أن الجدل لا يزال قائمًا، إلا أن تجربة السويد تقدم دروسًا هامة حول التوازن بين الصحة العامة والاقتصاد، وبين الحريات الفردية والسياسات الحكومية، وهي قضايا ستكون محل اهتمام عند مواجهة أي جائحة مستقبلية.