رأي: دخل النزاع السوداني عامه الثالث وسط مؤشرات متزايدة على تحوّل البلاد إلى مركز لتجمع الجماعات الإرهابية والمسلحة ذات التوجهات المتطرفة. وفي ظل الانهيار المؤسساتي والأمني، يتوسع نفوذ هذه الجماعات في مناطق واسعة من البلاد، ما يطرح تهديدات تتجاوز الحدود السودانية لتصل إلى الإقليم والعالم بأسره.
تصاعد نفوذ الجماعات المتطرفة
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تواترت التقارير حول توافد أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب المرتبطين بجماعات إرهابية إلى الداخل السوداني. هذا التدفق لم يكن وليد اللحظة، بل سبقه خلال السنوات الماضية تراكم لمظاهر التطرف، واحتضان بعض الأوساط السودانية لعناصر متشددة هاربة من ملاحقات في دول مجاورة، لا سيما في مصر وليبيا.
المرصد السوداني الوطني لحقوق الإنسان وجمعية “كفاح” وثّقا في تقارير ميدانية مشاركة ميليشيات إسلامية متشددة، أبرزها “كتيبة البراء”، في المعارك إلى جانب الجيش السوداني. وتعمل هذه الكتيبة – التي تُنسب إلى تنظيم الإخوان – في عدة محاور، خاصة جنوب العاصمة الخرطوم. وأشار المرصد في بيان صدر مطلع الشهر الجاري إلى أن عناصر من هذه الكتيبة نفذوا إعدامات ميدانية بحق مدنيين، تحت غطاء وحماية من وحدات تابعة للجيش.
وتقارير أخرى كشفت عن وجود خلايا نشطة تابعة لتنظيم داعش، تم تفكيك بعضها قبل الحرب، أبرزها خلية تم ضبطها في الخرطوم عام 2021، ضمت عناصر أجنبية ومصرية الجنسية. في المقابل، ظهر تنظيم القاعدة أيضًا على الساحة السودانية في أكتوبر 2022 من خلال مؤسسة “بيت المقدس” التابعة له، التي أصدرت منشورًا بعنوان “الآن وقت القتال.. رسائل حرب إلى المجاهدين في السودان”، في دعوة صريحة لبدء العمل المسلح داخل البلاد.
تحذيرات دولية متصاعدة
لم تغب هذه التطورات عن أنظار المجتمع الدولي. ففي نوفمبر 2023، حذّر المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، من استمرار تدفق السلاح والمقاتلين إلى الأراضي السودانية، مؤكدًا أن غياب السيطرة على الحدود وغياب المؤسسات الأمنية الفاعلة يمنح بيئة مثالية لتنامي نفوذ الجماعات المتطرفة.
أما نيكولاي ملادينوف، المدير العام لأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية والمبعوث الأممي السابق، فقد حذر في أبريل 2025 من خطورة تجاهل الأزمة السودانية، مشيرًا إلى أن “استمرار الفوضى سيحول السودان إلى بؤرة إرهاب جديدة تهدد البحر الأحمر والدول المجاورة”.
وأشار ملادينوف إلى أن بعض الأطراف داخل القيادة العسكرية السودانية – وعلى رأسها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان – تعتمد على دعم ميليشيات متطرفة وأيديولوجية لتقوية موقفها في الحرب، محذرًا من أن هذا التحالف يشكل خطورة استراتيجية على المنطقة بأكملها.
دور الإخوان في المشهد السوداني
في هذا السياق، يُعد تنظيم الإخوان أحد أبرز الفاعلين ضمن شبكة العلاقات المعقدة في السودان. فرغم تراجع حضور التنظيم عالميًا، إلا أن وجوده داخل السودان – خاصة ضمن الكوادر الأمنية والدعوية – لا يزال قويًا. وتشير تقارير حقوقية إلى أن عناصر منتمين إلى تنظيم الإخوان انخرطوا في العمليات القتالية، بالتنسيق مع كتيبة البراء وميليشيات إسلامية أخرى.
وتاريخ العلاقة بين المؤسسة العسكرية السودانية والإخوان المسلمين يعود إلى ما قبل سقوط نظام عمر البشير، حيث كان التنظيم جزءًا من البنية الحاكمة، واحتفظ بنفوذ واسع في المؤسسات العسكرية والتعليمية والدينية. وفي الحرب الحالية، أعاد الجيش السوداني تفعيل بعض هذه التحالفات القديمة، من خلال فتح المجال أمام عناصر التنظيم للمشاركة في التعبئة والتحريض والدعم اللوجستي والمعنوي.
بعض التقارير أشارت أيضًا إلى أن عناصر من التنظيم تسللوا إلى دول مجاورة وأوروبية ضمن موجات النزوح، وهو ما دفع بعض العواصم الغربية إلى رفع حالة التأهب الأمني تحسبًا لتهديدات متوقعة.
تصدير الإرهاب إلى أوروبا
الحرب المستمرة في السودان تسببت في نزوح ملايين المواطنين داخليًا وخارجيًا. وبحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد اللاجئين السودانيين في الخارج تجاوز 3.8 مليون شخص حتى مطلع 2025، مع توقعات بوصول الرقم إلى نحو 5 ملايين بنهاية العام.
وتنبهت الأجهزة الأمنية في أوروبا إلى وجود عناصر متشددة بين هؤلاء اللاجئين، خاصة من تنظيم الإخوان، الذين استغلوا الهروب الجماعي للانتقال إلى بيئات جديدة. ففي السويد، وثقت وكالة الطوارئ المدنية عام 2017 نشاطًا مكثفًا للإخوان، تمثل في محاولات بناء مجتمعات موازية واختراق مؤسسات المجتمع المدني.
وفي تقييم أمني جديد خلال العام الجاري صنف جهاز الأمن العام السويدي التهديد الإرهابي في البلاد على المستوى الخطر حتى الآن، محذرًا من أن التنظيمات الإسلامية المتشددة باتت ترى السويد “هدفًا رئيسيًا” في خططها المستقبلية. وأشار التقرير إلى تنوع الجهات الفاعلة التي تقدم الدعم لهذه الجماعات في محاولاتها لاختراق المجتمع ومؤسسات الدولة.
وتشير بيانات المركز العربي لدراسات التطرف إلى أن دولًا مثل النمسا، فرنسا، بلجيكا، ألمانيا، هولندا، إسبانيا والسويد، شهدت خلال الفترة الماضية تزايدًا ملحوظًا في أعداد المتطرفين المنتمين لتنظيمات الإخوان والقاعدة وداعش، وسط قلق أوروبي من عدم القدرة على احتواء هذه الظاهرة في ظل ضغوط اللجوء والأزمات الاقتصادية.
أزمة أمن عالمي
بات من الواضح أن استمرار الحرب في السودان دون حلول سياسية حقيقية لا يهدد فقط وحدة البلاد، بل يضع الأمن الإقليمي والدولي على المحك. فالسودان الآن ليس مجرد ساحة صراع داخلي، بل أرض خصبة لتكاثر وتوسع الجماعات المتطرفة العابرة للحدود، القادرة على تجنيد وتمويل وتدريب عناصر لتنفيذ هجمات في أماكن أخرى.
ومع استمرار تجاهل المجتمع الدولي لأهمية التدخل الشامل – ليس فقط لفرض هدنة، بل أيضًا لتفكيك البنية التحتية للتطرف – فإن العالم قد يواجه في المستقبل القريب طوفانا جديدا من الإرهابيين.