رأي: الإسلاموفوبيا، مصطلح يُستخدم لوصف الخوف والتحيز والكراهية تجاه الإسلام والمسلمين، أصبحت تحديًا متزايدًا في مجتمعاتنا اليوم. تتجلى هذه الظاهرة بأشكال مختلفة – من الصور النمطية السلبية في الإعلام إلى التمييز والعنف ضد المسلمين.
في اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا الذي مر قبل أيام, من المهم تسليط الضوء على هذه القضية والعمل نحو عالم يعيش فيه المسلمون بسلام واحترام مع جميع الفئات الأخرى.
الإسلاموفوبيا ليست ظاهرة محصورة بمنطقة معينة، بل هي ظاهرة عالمية. في أوروبا وأمريكا الشمالية وأجزاء أخرى من العالم، يتعرض المسلمون لجرائم الكراهية والتمييز في العمل والسكن، بالإضافة إلى المضايقات في الأماكن العامة. ساهمت وسائل الإعلام والخطابات السياسية الشعبوية في كثير من الأحيان في نشر صورة للإسلام على أنه دين يهدد القيم الغربية و من الإتهامات الشائعة التي يتم ترويجها أن الإسلام يقمع النساء من خلال فرض الحجاب عليهن، وأن الشريعة الإسلامية غير متوافقة مع الديمقراطية وحرية التعبير والمساواة. هذه الادعاءات تخفي ثقافة الكراهية وتساهم في تعرض المسلمين، وخاصة النساء المسلمات، للكراهية والعنف.
الحجاب تحول الى هدف رمزي للإسلاموفوبيا و أصبح الحجاب، الذي يعتبر بالنسبة للعديد من النساء المسلمات جزءًا طوعيًا ومهمًا من هويتهن الدينية والثقافية، هدفًا رمزيًا للإسلاموفوبيا. بدلًا من اعتباره تعبيرًا عن الإيمان الشخصي والهوية الثقافية، يتم تصويره غالبًا على أنه علامة على القمع الذكوري . هذه الصورة الأحادية الجانب تنكر حق النساء المسلمات في العيش في المجتمعات بدون مضايقات و تميز عنصري .
من المهم أن يفهم غير المسلمين أن النساء المسلمات، مثل جميع النساء، لهن الحق في اختيار كيفية ارتداء ملابسهن. إجبار النساء على خلع الحجاب هو قمع بقدر إجبارهن على ارتدائه. الاحترام للخيارات الفردية هو المفتاح لبناء مجتمع متعدد الثقافات .
من المفاهيم الخاطئة الشائعة أيضًا أن الشريعة الإسلامية، القوانين الدينية للإسلام، غير متوافقة مع الديمقراطية وحقوق الإنسان كما يزعم الكثير من الكتاب و الصحفيين و السياسيين . في الواقع، الشريعة مصطلح اسلامي يعني القانون و يمكن اسقاطه على شريعة موسى عليه السلام لليهود و شريعة عيسى علية السلام للنصارى و لا يعني القهر و الاستبداد و رفض الاخر كما يصوره البعض و هو واسع ومتعدد الأوجه يتم تفسيره بطرق مختلفة من قبل المجتمعات المسلمة المختلفة. بالنسبة للمواطنين المسلمين في بلاد الاغتراب و المواطنة ، الشريعة تتعلق بالتقوى الشخصية والأخلاق والعدالة، و الصدق و حسن المعاملة و احترام الاخر وليس بفرض تشريعات اسلامية على الدولة العلمانية كما يفتري كارهي الاسلام .
من المهم أيضًا الإشارة إلى أن المسلمين في المجتمعات الديمقراطية غالبًا لا يرون أي تناقض بين إيمانهم والقيم الديمقراطية. غالبية المواطنين المسلمين في الغرب يقدرون حرية التعبير والمساواة وحقوق الإنسان، ويسعى معظم المجتمعات المسلمة للعيش في وئام مع الآخرين.
المسلمون كضحايا للكراهية المجتمعية في العديد من المجتمعات غير المسلمة و غالبًا ما يكون المسلمون ضحايا لجرائم الكراهية والتمييز بسبب الصور النمطية السلبية والتحيزات. بعد الهجمات الإرهابية التي يقوم بها افراد لهم خلفية اسلامية أو الأزمات السياسية و الاقتصادية ، تزداد جرائم الكراهية ضد المسلمين، على الرغم من أن الغالبية العظمى من المسلمين تدين العنف والتطرف والجرائم المجتمعية . هذه العقوبة الجماعية غير عادلة وتساهم في تهميش المجتمعات المسلمة بشكل أكبر.
الإسلاموفوبيا لا تؤثر فقط على البالغين، بل أيضًا على الأطفال. غالبًا ما يتعرض الأطفال المسلمون في المدارس للتنمر والمضايقات بسبب دينهم أو أصلهم. هذا يخلق شعورًا بعدم الأمان والاغتراب يمكن أن يكون له آثار سلبية طويلة الأمد.
علينا رسم خارطة طريق نحو مجتمع شامل و متعدد الثقافات و الاديان لمكافحة الإسلاموفوبيا، هناك حاجة إلى جهد مشترك من جميع أجزاء المجتمع للوقوف بوجه العنصرية و معاداة الاجانب . هذه بعض الافكار التي يمكن أن تساهم في التغيير الإيجابيو رفض الاخر :
- نشر المعرفة الصحيحة و عدم المشوهه و الملفقة عن الإسلام والمجتمعات المسلمة لمكافحة التحيزات والمفاهيم الخاطئة.
- يجب على وسائل الإعلام السعي لتقديم صورة متوازنة ومدروسة عن الإسلام والمسلمين و تبتعد عن الصورة النمطية التي رسمت عن الاسلام عبر قرون طويلة.
- على اصحاب القرار السياسي دعم المواطنين اتباع الديانة الاسلامية الذين يتعرضون لجرائم الكراهية والتمييز في المجتمعات تحت مسمى حرية التعبير و النشر .
- على السياسيين و المجتمعات الاهلية تعزيز الحوار بين المجتمعات المسلمة وغير المسلمة لبناء الجسور والتفاهم المتبادل و ارساء الثقة بالمواطنين أتباع الديانة الاسلامية .
- على اصحاب القرار السياسي تعزيز القوانين التي تحمي من التمييز وجرائم الكراهية على أساس الدين أو العرق.
و في الختام اقول : الإسلاموفوبيا هي تحدي حقيقي وخطير يتطلب من اصحاب القرار السياسي العمل الجاد لايقاف هذه الظاهرة غير الصحية . المواطنون المسلمون ليسوا مجموعة متجانسة، وتجاربهم وقيمهم متنوعة مثل أي مجموعة أخرى و من خلال مكافحة التحيزات وتعزيز التفاهم، يمكننا خلق مجتمع يعيش فيه الجميع، بغض النظر عن الدين أو الخلفية، بسلام واحترام. و لنستخدم اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا كفرصة لنشر الوعي وبناء الجسور والعمل نحو عالم لا مكان فيه للكراهية والتحيز. معًا، يمكننا خلق مستقبل يعيش فيه المسلمون وجميع الفئات الأخرى جنبًا إلى جنب في وئام.
قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” (الحجرات: 13)
لنتذكر هذه الرسالة عن الوحدة والاحترام للتنوع البشري.
د محمود الدبعي
رئيس المنظمة الدولية للسلام والديمقراطية والمواطنة
مقالات الرأي تعبر عن كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24