رأي: دعنا نبدأ من حيث تبدأ أغلب حكايات الصباح: فنجان قهوة. تلك الرشفة الأولى، المرّة لكنها مفعمة بالدفء، تشبه إلى حد كبير الحياة. لا نتوقف عن شربها، ليس لأننا نحب المرارة بحد ذاتها، بل لأننا ندرك أن في عمق كل رشفة هناك دفعة تجعلنا نقفز إلى الأمام. أليس هذا حالنا مع الحياة؟ نواجه التحديات، نتحمل لحظات الألم والخيبات، لأننا نعلم أن في الأفق طعمًا آخر، نكهة الانتصار التي لا تأتي إلا بعد صبر طويل.
الحياة، مثل القهوة، ليست مجرد خليط من المكونات. هي تجربة متكاملة، تنضح حرارة في البداية، لكن إن تركتها تبرد فقد تفقد شغفها. أنت القهوة التي لا تبرد، تلك التي تحتفظ بحرارتها رغم كل ما يمر بها.
لكن الحقيقة الصادقة هي أنك أكثر قوة مما تظن. الحياة، بطبيعتها، لا تمنحنا الهدايا بلطف دائم. أحيانًا تضعنا أمام مواقف تُشبه اختبارات الأساطير القديمة: أبواب موصدة، طرق مسدودة، وأشخاص يظهرون في مسيرتنا وكأنهم وضعوا هناك خصيصًا ليختبروا صبرنا وقدرتنا على المضي قدمًا. ومع ذلك، ورغم كل هذا، أنت هنا. ربما لا تُدرك هذه المعجزة، لكنها حقيقية. بقاؤك، صمودك، ومواصلتك ليست مجرد مصادفة.
فكر في كل مرة واجهت فيها طريقًا بدت نهايته مغلقة. كيف استطعت أن تجد منفذًا؟ في الليالي التي بدت وكأنها لن تنتهي، عندما شعرت أن الألم أكبر من أن يُحتمل، مع ذلك، لم تتراجع. ربما لم يكن الأمر سهلًا، وربما شعرت أنك على وشك الانهيار. لكنك، مثل القهوة الساخنة، رفضت أن تفقد حرارتك ونكهتك الخاصة.
القوة الحقيقية ليست في تلك اللحظات التي يصفق فيها الجميع لك، بل في تلك اللحظات التي تنهض فيها وحدك، عندما لا يراك أحد. عندما تمسح الغبار عن روحك، تربت على كتفيك وتجبر نفسك على النهوض، وتستمر. تلك هي اللحظات التي تصنع منك الشخص الذي أنت عليه اليوم.
فكر في القهوة مرة أخرى. كل رشفة تبدو صغيرة، لكنها جزء من تجربة كاملة. كل تحدٍّ تواجهه في حياتك هو مثل تلك الرشفة. قد يكون مرًا في البداية، لكنه يحمل في طياته طاقة تعيدك إلى المسار. عندما تنظر إلى الوراء، سترى أن كل مرة كنت تظن فيها أن الأمور انتهت، كانت بداية جديدة.
الحياة ليست مجرد رحلة، إنها معركة مستمرة بين ما نرغب فيه وما تفرضه علينا الظروف. لكنها ليست معركة تخسرها بسهولة. في داخلك تلك الإرادة، ذلك القلب الذي يرفض الأنحناء، ذلك الإصرار على المضي قدمًا. حتى عندما تشعر أن العالم كله ضدك، تكتشف أنك لا تزال هنا.
وفي اللحظات التي يبدو فيها النفق مظلمًا وطويلًا، تذكر أنك القهوة التي لا يخبو دفئها. تذكر أن كل مرة مررت بها، كل مرة اعتقدت أنك لن تستطيع التحمل، كانت خطوة أخرى نحو صلابتك. أنت الشخص الذي يعرف كيف ينهض، كيف يمسح آثار الألم، وكيف يحتفظ بحرارته رغم كل شيء.
لست مجرد شخص يعيش يومًا بيوم. أنت قصة مستمرة من القوة والصمود. القهوة قد تكون مرة، لكنها تُشرب دائمًا ساخنة. وكذلك أنت. مهما بدت التحديات، ومهما كانت الأيام صعبة، ستبقى أنت القهوة التي لا تبرد، والشخص الذي ينهض دائمًا من جديد.
لينا سياوش
مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24