مقال رأي/ هل سبق لك أن أمسكت هاتفك لتقرأ رسالة نصيّة وصلتك، وانتهى بك الأمر تقلب في شاشته بلا هدف لمدة ساعة أو أكثر؟
إذا كنت تشعر بأنك ضائع في بحر من الصور والفيديوهات العشوائية، فأنت لست وحدك. الحياة الحديثة أصبحت متشابكة بشكل متزايد مع العالم الرقمي، حتى وصلنا إلى نقطة حيث الكثير منا يعيش في “مصفوفة” رقمية، تصممها لنا شركات التكنولوجيا بخبرة تُربطنا بالشاشات، وتُسطح عقولنا.
التكنولوجيا الحديثة لم تعد فقط وسائل مفيدة تسهل حياتنا، بل أصبحت جزءًا من هيكلها الأساسي.
التطبيقات والشاشات تتحكم بكل شيء، من تفاعلاتنا الاجتماعية إلى الطريقة التي نستهلك بها المعلومات.
اليوم، يُقاس نجاح بعض الشركات بعدد “الدقائق التي تقضيها” على منصاتها. التطبيقات مصممة بعناية لتحافظ على انتباهنا لأطول فترة ممكنة، مع تصميمات متجددة، إخطارات مستمرة، ومحتوى لا نهاية له. في النهاية، نحن “الأرقام” التي تحقق أرباح الشركات.
تخيل نفسك جالسًا، أمسكت هاتفك لترد على رسالة بسيطة، لتجد نفسك بعد ساعة مغمورًا في بحر من المقاطع التافهة التي لا تضيف شيئًا إلى حياتك. تنتقل من تطبيق إلى آخر مثل “إنستغرام”، “تيك توك”، “فيسبوك”، والنتيجة؟ إحساس قاتل بالملل والفراغ. الأسوأ؟ يديك أصبحتا مخدرتين وأنت لا تشعر حتى بتنميل أصابعك.
السطحية في ما نستهلكه من محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي تكاد تكون كارثية. كل شيء يُبسط ليلائم مدى تركيزنا المتناقص.
فيديوهات سريعة، نصوص قصيرة، لا شيء يدعوك للتأمل أو التفكير بعمق. إنه عالم مليء بالصخب، لكن بلا معنى. والأخطر هو أن هذه التطبيقات تمارس فنونها الذكية لجذبك: الإخطارات المتواصلة، الحوافز النفسية مثل “الإعجابات”، والفيديوهات القصيرة التي تُنتج من أجل كسب دقائق أخرى من انتباهك.
هل سبق لك أن تحدثت مع صديقك عن منتج أو رحلة معينة، وفجأة تظهر لك إعلانات عنه على هاتفك؟ الأمر ليس مصادفة! يبدو أن الهواتف التي نحملها معنا في كل مكان ليست فقط للتواصل أو التسلية، بل هي أيضًا “آذان صاغية” لما نقوله. فالتكنولوجيا المتقدمة قادرة على تحليل كلماتنا وتوجيه الإعلانات بدقة تامة إلى ما نحتاجه أو بالأحرى، إلى ما تحدثنا عنه للتو!
وإذا كنت متزوجًا، إليك نصيحة: لا تدع هاتفك المحمول في غرفة النوم. من يدري، قد يسجل لحظات “خاصة جدًا”، فهذه الأجهزة لا تنام أبدًا! ربما يكون أفضل مكان للهاتف هو في غرفة المعيشة، على الأقل لن تشعر بأن هناك “مشاهد خاصة” يمكن أن تنقل!
أما عن جلساتنا الاجتماعية، فقد أصبحت “قهوة جماعية فردية”! نتفق جميعًا على الاجتماع لشرب القهوة وتبادل الحديث، ولكن كل واحد فينا يغرق في تصفح هاتفه المحمول، نتصفح مواقع السوشيال ميديا ونتفاعل معها، وبعد أن ننتهي من جلسة “الصمت الرقمي”، نودع بعضنا ونحن نقول: “كانت جلسة رائعة!”، رغم أننا لم نتحدث عن شيء يذكر!
لم يعد الصبر فضيلة في عصر التكنولوجيا السريعة. نعيش في عصر “كل شيء الآن، أو لا شيء”.
إذا لم نجد ما يثير فضولنا في أول ثوانٍ، ننتقل إلى محتوى آخر في لمح البصر. هذا يؤدي إلى تراجع قدرتنا على التفاعل مع أي شيء يحتاج إلى تأمل، أو يحتاج إلى وقت لفهمه.
الفيديو الذي يستغرق دقائق معدودة أصبح طويلاً للغاية، والمقال الذي يتجاوز بضع فقرات يعتبر مملًا. هل فقدنا القدرة على التركيز؟ للأسف، الإجابة نعم.
البعض يلجأ إلى هذه “المصفوفة الرقمية” بحثًا عن الهروب من ضغوط الحياة. فالعمل المرهق والمشاكل اليومية تجعل الكثيرين ينغمسون في عالم الافتراضية ليتناسوا الواقع.
“تيك توك” بمقاطعه السريعة، و”إنستغرام” بصوره المثالية، يمثلان الهروب السريع من ضغوط الحياة. لكن في الواقع، الهروب هذا لا يؤدي إلا إلى مزيد من الإدمان، وقليل من الرضا.
ما الذي يمكن فعله لإعادة ضبط الحياة والخروج من هذا الإدمان الرقمي؟ جرب قضاء يوم كامل بعيدًا عن الهاتف أو التطبيقات. يمكن أن تكون هذه الفرصة للتجول في الطبيعة، قراءة كتاب حقيقي (نعم، تلك التي تحتوي على صفحات فعلية!)، أو حتى الاجتماع مع الأصدقاء والعائلة بعيدًا عن الشاشات.
تخيل عطلة نهاية أسبوع “خالية من التنبيهات”. تمشَ في الهواء الطلق، إستمتع بصوت الطبيعة، وتذكر كم هو ممتع أن تكون متصلًا بالعالم الحقيقي. إنه عالم لا يحتاج إلى الإعجابات أو التعليقات ليكون حقيقيًا، ولا يعرض إعلانات كل ثلاث ثوانٍ.
إذا كنت تشعر أن التكنولوجيا قد سيطرت على حياتك، فقد حان الوقت للقيام بخطوة إلى الوراء وإعادة ضبط الأمور. فبدلاً من أن تكون مجرد “رقم” آخر في المصفوفة، حاول استعادة السيطرة على وقتك وعقلك. وكما نقول دائمًا: “تذكر… الهاتف قد يكون ذكيًا، لكنك بالتأكيد أذكى!”.
لينا سياوش
مقالات الرأي تعبر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24