والتجربة التي سأحدثكم عنها اليوم هي في الترجمة.
خضتُ في وقت سابق تجربتين للترجمة من الإنكليزية إلى العربية، كانتا في مجال التقانة.
الأولى أيام الدراسة الجامعية حيث شاركتُ مع مجموعة من الزملاء ترجمة فصل من كتاب الإلكترونيات (دار النشر ماك غرو هيل)، وكانت الفكرة لزميل لنا من آل السهوي (اسمه كما أعتقد عبد المنعم) قسّم الصفحات بيننا، ثم قام بتدقيق الترجمة وجمْعها في نوطة وزّعها على الزملاء.
والثانية عندما كنتُ في التشغيل التلفزيوني في مطلع الثمانينيات، قمتُ حينها بترجمة كتيّب صغير عن حساسات التصوير الـ CCD ومبدأ عملها، وقمتُ بتوزيعه على الزملاء في التشغيل بعد أن تكرّم الأستاذ الدكتور المهندس عصام عبود، مشكورًا، بتدقيقه وإضافة بعض الملاحظات.
أما أحدث تجربة لي في مجال الترجمة فكانت هنا في السويد، وهذه المرة ليست ترجمة تقنية ولكنها ترجمة شعرية، وليست من الإنكليزية، بل من السويدية التي تعلّمتها وأصبحتُ ملمًا بها، نوعًا ما، كتابة وقراءة، أمّا المحادثة …فسلامتكم.
ابتدأتْ القصة منذ حوالي ثلاث سنوات عندما حضرتُ إحدى الفعاليات الثقافية في المدينة التي أسكن فيها، وتعرّفتُ على شاعرة سويدية قرأتْ علينا بعض قصائدها بالسويدية أولًا ثم بالعربية.
اسمها آنّا إنبوم Anna Enbom، تحبُّ اللغة العربية وتلمُّ بها جيدًا، وتتابع دراستها للحصول على الماجستير فيها، ولها موقع باللغة العربية والسويدية أشبه بالقاموس الموسّع، ومن حينها بدأ تعاوننا في الترجمة من السويدية إلى العربية وبالعكس، اعتمدنا في ذلك على إلمامنا معًا باللغة الإنكليزية بشكل جيد، وكانت آلية عملنا تتم على النحو التالي:
ترسل لي النص بالسويدية فأقرؤه وأحاول فهمه أولًا، ثم تشرحه لي بالعربية قدر الإمكان، وتستعين أحيانًا بالإنكليزية للمقاربة ثم أقوم بترجمته، مستعينًا عند اللزوم بـ غوغل: من السويدية إلى الإنكليزية، لأنّها أدقّ من الترجمة من السويدية إلى العربية ويحدث العكس عندما تقوم هي بالترجمة من العربية إلى السويدية وقد قمنا معًا بترجمة بعض قصائدها إلى العربية وإلى السويدية ترجمنا مقاطع أو أبيات من قصائد لشعراء عرب من العصر الحديث والعصور القديمة، منهم:
نزار قباني ومحمود درويش وبدر شاكر السياب ورضوى الحاج ونازك الملائكة وسميح قاسم وفدوى طوقان وسعدي يوسف وأدونيس وغادة السمان وأمل الجراح وتميم البرغوثي والمتنبي وابن الفارض وبدوي الجبل والشاب الظريف وابن سنا الملك وسعدي الشيرازي .. وغيرهم.
ولا يُخفى على أحد أنّ دقّة الترجمة تعتمد أساسًا على فهم النصّ بشكل جيّد، وأنّ جودة الترجمة تعتمد على إيصال هذا الفهم بأسلوب أدبي سلس واستخدام كلمات وتعابير وجمل رشيقة. وكان من أصعب الترجمات التي مرّت معنا هي بيت شعر المتنبي:
قَد كانَ يَمنَعُني الحَياءُ مِنَ البُكا … فَاليَومَ يَمنَعُهُ البُكا أَن يَمنَعا
وكذلك بيت شعر الشابّ الظريف:
رَأَى فَحبَّ فَسامَ الوَصْلَ فامْتَنَعُوا … فَرامَ صَبْراً فأَعْيَا نَيْلُهُ فَقَضَى
وقصيدة سعدي الشيرازي، التي مطلعها:
قال لي المحبوبُ لَّما زرتُهُ … مَنْ ببابي قلتُ بالباب أنَا
ومن الطريف أنّه أثناء ترجمة قصيدة لفدوى طوقان تصف فيها جائحة حلّت بأرض مصر في الثلاثينيات وأودتْ بحياة الكثيرين، تقول فيها:
في كل منعطف … تكبير (وهي تعني صلاة الجنازة)
بينما ترجمها صديقنا غوغل إلى: Enlargement وتعني اتساع وتكبير.
تجدون في التعليق الأول رابط ترجمة قصيدة Jag gräver (أحفر) للشاعرة آنّا إنبوم
وإلى اللقاء