رأي: شهدت السويد واحدة من أعنف الجرائم في تاريخها الحديث، حيث لقي 11 شخصًا مصرعهم وأُصيب عدد آخر في إطلاق نار داخل مدرسة لتعليم اللغة في أوريبرو. الحادثة، التي هزت الرأي العام وأثارت موجة من الحزن والصدمة، طرحت تساؤلات حول دوافع الجريمة والتوصيف الرسمي لها، خاصة مع امتناع السلطات حتى الآن عن وصفها بالعمل الإرهابي.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الوزراء أولف كريسترسون ووزير العدل غونار سترومر، ظهر المسؤولان بربطات عنق سوداء تعبيرًا عن الحداد، ووصف كريسترسون الحادثة بأنها “يوم أسود في تاريخ السويد”. ومع ذلك، لم يتطرقا إلى تصنيفها كعمل إرهابي، بل شدد كريسترسون على أهمية التروي في إطلاق الأحكام وانتظار نتائج التحقيقات قبل الخوض في أي استنتاجات قد تكون غير دقيقة. هذا الموقف الرسمي، رغم تحليه بالحذر القانوني، لم يمنع الانتقادات من الظهور، حيث يرى البعض أن الحذر المبالغ فيه قد يُفهم على أنه محاولة للتهرب من توصيف دقيق للجريمة.
من جانبها، أكدت الشرطة السويدية أن تصنيف الهجوم بالإرهاب يتطلب أدلة قاطعة على أن الدافع كان سياسياً أو أيديولوجيًا، وهو ما لم يتم إثباته حتى الآن. روبرتو إيد فورست، رئيس شرطة أوريبرو، أوضح في تصريح صحفي أن التحقيقات لا تزال جارية، وأنه لا توجد حاليًا أي مؤشرات على ارتباط الجاني بأي جماعات متطرفة أو امتلاكه دوافع سياسية واضحة. وأكد أن السلطات تتعامل مع جميع الفرضيات، لكنها بحاجة إلى مزيد من الوقت للتحليل قبل اتخاذ قرارات نهائية بشأن التوصيف القانوني للجريمة.
ورغم انتحار الجاني بعد تنفيذ الهجوم، ما يعني أن هويته أصبحت معروفة لدى السلطات، فإن التكتم الإعلامي حول اسمه وصورته أثار جدلًا واسعًا. عادةً، في مثل هذه الجرائم، تبادر وسائل الإعلام السويدية إلى نشر معلومات تفصيلية عن الجاني، بما في ذلك اسمه وصورته وخلفيته. ولكن هذه المرة، كان هناك نهج مختلف، إذ تم حجب هذه المعلومات عن الجمهور، وهو ما دفع البعض إلى التساؤل عما إذا كان هناك تعامل غير متكافئ في التغطية الإعلامية للجرائم تبعًا لخلفية مرتكبيها.
في السياق السويدي، لا يتم تصنيف الهجوم تلقائيًا كعمل إرهابي إلا إذا توفرت أدلة واضحة على وجود دوافع سياسية أو أيديولوجية وراءه، وهو السبب الذي يجعل السلطات تتحفظ في وصف الحادث بالإرهابي حتى اكتمال التحقيقات.
مقابل ذلك، يرى بعض الصحفيين أن التكتم هذه المرة مبررٌ من الناحية الأمنية، نظرًا لأن تسليط الضوء المفرط على الجاني قد يساهم في تغذية العنف أو إلهام أفراد آخرين لتنفيذ هجمات مماثلة. كما أن الشرطة والحكومة شددتا منذ الساعات الأولى على ضرورة منع انتشار التكهنات والشائعات، للحيلولة دون خلق حالة من الذعر أو نشر أخبار غير دقيقة قد تؤدي إلى تأجيج الانقسامات الاجتماعية.
الجريمة العادية تُرتكب لأسباب شخصية أو مالية، بينما الجريمة الإرهابية تُرتكب بهدف التأثير على المجتمع أو الحكومة أو نشر الخوف والفوضى. هذا الفرق هو الذي يدفع الدول إلى تصنيف بعض الهجمات كأعمال إرهابية، بينما تبقي على بعضها ضمن الجرائم العنيفة العادية.
السويد، المعروفة بنهجها الديمقراطي وتقاليدها الراسخة في احترام الحقوق، تواجه اليوم تحديًا صعبًا في كيفية الموازنة بين الشفافية وضرورات الأمن العام. وبينما تستمر التحقيقات، يبقى التساؤل قائمًا: هل الامتناع عن تصنيف الحادثة كإرهاب نابع من ضرورة قانونية بحتة، أم أن هناك معايير مزدوجة تُستخدم عند توصيف الجرائم استنادًا إلى خلفية الجناة؟
في النهاية، فإن ضحايا هذه المجزرة فقدوا حياتهم بغض النظر عن دوافع الجاني، وسواء كان الحادث بدافع اختلال نفسي أو كان نتيجة تطرف ديني مقيت، فإن النتيجة واحدة. المسؤولية الآن تقع على عاتق السلطات لضمان تحقيق العدالة، وعلى الإعلام أن يؤدي دوره بمهنية، بعيدًا عن أي انتقائية في نقل الحقيقة.
لينا سياوش
مقالات الرأي تعبر عن رأي اصحابها وليس بالضرورة عن SWED 24