روت لي صديقة تعمل في إحدى المستشفيات، أنها تمشي كل يوم نحو 50-60 دقيقة للوصول الى مكان عملها. حيث يبدأ دوامها في وقت مبكر جداً، وهي تنهض في الساعة الثالثة فجراً، تحمل حقيبتها على ظهرها بعد ان تحصن نفسها بأكثر الملابس دفئاً لحمايتها من البرد القارس وتسير في نفس الطريق منذ سنوات عدة، حيث لا تبدأ الباصات في العمل في المنطقة التي تعيش فيها قبل الساعة الخامسة فجراً.
المشي في هذا الوقت المبكر من الفجر وفي أوقات تنخفض فيه درجات الحرارة الى نحو 18 مئوية تحت الصفر على أرض صقلها الجليد المتجمد وكأنها ساحة كبيرة للتزلج على الجليد، أضف الى ذلك ان يكون المرء يعاني من مشاكل في قدميه، أمر ليس سهلاً مطلقاً، فطريق الوصول الى العمل مشياً بهذه الشروط هو بمثابة جهد يوم كامل، لكن مع ذلك تتحدث الصديقة وهي في عقدها الستيني عن ذلك بابتسامة ورضى وتحمد الله وتشكره على أنها قادرة على المشي وأنها تعمل.
أسال الصديقة هل تصادفين أشخاص أخرين في طريقك للعمل، تقول لا ليس كثيراً، لا يكون في الطريق غيري “أنا والأرانب”.
ومثل صديقتي هذه، الكثير الكثير من الأشخاص، نساء ورجالاً من الذين يتحملون بالفعل ظروفاً صعبة جداً في العمل، حيث لا يتوقف ثقل الأمر على العمل فقط على التعامل مع أشخاص من ثقافات وأمزجة متعددة، تشيب الرأس، بالإضافة الى قساوة الطقس التي تزيد من مشقة المرء أضعافاً مضاعفة. هم أناس صلبون، جلدتهم الظروف والحياة الصعبة بما يكفي في بلدانهم، فأصبحوا مؤهلين للعيش على أي أرض وفي أي بلد بحرية وكرامة، توسلوها في بلادهم ولم يجدوها، فبحثوا عنها في بلاد بالقطب الشمالي، متحملين قساوة الطقس وعزلة خانقة، والا ما يفسر إصرار صديقتي على العمل بهذه الطريقة.
لم يأت الأجانب للسويد من الصفر
لم يأتي الأجانب في هذه البلاد من الصفر. بل الكثير منهم ترك نجاحاته وحياته المهنية وعلاقاته وذكرياته، جاءوا ليكملوا حلمهم في بلد يصون كرامتهم ويحترم انسانيتهم، لكن كل ذلك لا يُحتسب في الغالب، فالغالبية كان عليهم البدء من الصفر لتحقيق ما يريدون تحقيقه، والكثير فعلوا ذلك وكافحوا أيما كفاح حتى وصلوا الى أهدافهم باقتدار، ومع ذلك، يكون الحديث عن الأجانب مرتبطاً دائماً بالجريمة ونواقص يعيشها المجتمع أو معوقات يجب إصلاحها.
وكحال جميع المجتمعات، هناك بين الأجانب، الصالح والطالح، رغم أن الاخير هم أقلية قليلة، الا أن من عادة السوء انتشاره كبقعة زيت في بحر واسع، يُرى واضحاً من بعيد رغم أن الماء الذي لم يصله الزيت لا زال صافياً وواضحاً. يمنح السوء صورة غير حقيقية لفئة واسعة من المجتمع بتأثير الفئة الأقل حجماً لكن الأكثر شراً.
لا يجوز تنسيب الأعمال السيئة الى جنسية معينة، فهناك كم من الظروف الموضوعية المجتمعية التي تدفع بالإنسان الى ارتكاب الشائن من الأفعال، لم يثبت العلم حتى الآن أن الجريمة جين وراثي يتوارث من شخص لأخر أو ينتشر في مجتمع دون غيره، بل الجريمة في تعريف عام لها، ظاهرة اجتماعية تعاكس الأفكار والأعراف السائدة في المجتمع.
مشكلة الجريمة في البلاد ليست مرتبطة بالأجانب، بل بالحكومة والمجتمع والشرطة والمدرسة. والأخيرة هي الأهم. فهناك يحصل الكثير ومنها يجب أن يبدأ العمل للحد من الجريمة.
الجريمة تبدأ من المدرسة
الكثير من البدايات الإجرامية، تُولد في المدرسة وفي مراحل مبكرة جداً من عمر الطلبة وأمام مرأى الجميع، لكنها تُترك دون علاج لتتفاقم وتصل الى حد الجريمة. المخدرات تُخبأ في المرافق الصحية للمدرسة وتحت المصطبات في أماكن اللعب القريبة، هناك بعض الطلبة يأتون الى المدرسة وهم تحت تأثير مخدرات تناولها.
ملاحقة أفراد عصابات إجرامية وصلت خطورتهم الى القتل المفتوح بالشارع بدون وازع من ضمير لن يقدم جديداً، هم أفراد انخرطوا في الجريمة ومن الصعب انتشالهم منها أحياء، العمل يجب أن يكون أبكر من ذلك بأشواط طويلة، فالجريمة تتوالد بسرعة الأرانب إذا لم يتم محاربتها من الأساس.
لينا سياوش
مقالات الرأي تعبر عن رأي أصحابها وليس بالضرورة عن SWED 24