عندما لا تتناسب المؤهلات مع الوظائف المتاحة، يصبح تحقيق الطموحات مجرد حلم مؤجل.
هذه هي القصة التي يعيشها العديد من المهاجرين في السويد وأوروبا، حيث تقف العوائق اللغوية والثقافية حاجزا أمام استثمار إمكاناتهم في سوق العمل.
ورغم أن السويد تُعد واحدة من أبرز الوجهات التي كانت تستقبل المهاجرين من مختلف أنحاء العالم، إلا أن اندماجهم في سوق العمل لا يزال يواجه عقبات متعددة.
إذ تشير الإحصاءات إلى أن شريحة واسعة من المهاجرين تمتلك مؤهلات أكاديمية رفيعة أو مهارات مهنية متخصصة، لكنهم يجدون أنفسهم عالقين في وظائف لا تعكس كفاءاتهم.
حاجز اللغة يُعتبر من أبرز التحديات التي تواجه المهاجرين. فإتقان اللغة السويدية إلى المستوى المطلوب للمنافسة في سوق العمل يتطلب وقتاً وجهدا، وغالبا ما يتعارض ذلك مع المسؤوليات اليومية.
إضافة إلى ذلك، يشكل التكيف مع الثقافة السويدية وأساليب العمل تحديا آخر، حيث يعتمد سوق العمل السويدي على مبادئ المساواة، العمل الجماعي، واحترام الوقت، وهي مفاهيم قد تكون مختلفة تماما عن البيئات التي نشأ فيها العديد من المهاجرين.
أثر التحديات على سوق العمل والمهاجرين
تشير التقارير إلى أن عددا كبيرا من المهاجرين الحاصلين على مؤهلات جامعية يعملون في وظائف غير متخصصة، مثل قيادة سيارات الأجرة أو التنظيف. هذا التناقض بين المؤهلات والوظائف يولد شعورا بالإحباط والخذلان، مما قد يعيق عملية الاندماج في المجتمع الجديد.
ورغم الجهود المبذولة من الحكومة السويدية لتقديم برامج تعليمية وتدريبية، إلا أن تأثيرها لا يزال محدودا مقارنة بحجم التحديات.
وتشير الإحصاءات إلى أن 27 بالمائة من سكان السويد مولودون خارجها، ما يجعل تحسين فرصهم في سوق العمل أمراً بالغ الأهمية لتحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي.
أسباب جذرية للمعوقات
- إجراءات معقدة للاعتراف بالمؤهلات: يعاني العديد من المهاجرين من صعوبة في الحصول على الاعتراف بشهاداتهم الأكاديمية، ما يمنعهم من دخول سوق العمل في مجالات تخصصهم. وحتى إذا تم الاعتراف بشهاداتهم الأكاديمية من قبل المجلس الوطني للشؤون العليا للتعليم ومساواتها بمثيلتها السويدية، فإن أرباب العمل قد لا يعترفون بذلك، لاختلاف طرق ومناهج التدريس.
- الفجوات الثقافية: يجد البعض صعوبة في التكيف مع بيئة العمل السويدية التي تعتمد على التعاون الجماعي والمساواة، مما يخلق حالة من سوء الفهم أو التردد في الانخراط بفعالية.
- الضغوط الاقتصادية: الحاجة إلى تأمين الدخل اليومي تدفع العديد من المهاجرين للعمل في وظائف أقل من مستوى مؤهلاتهم، مما يعيقهم عن متابعة دراستهم أو تطوير مهاراتهم بما يتناسب مع سوق العمل.
حلول مطروحة لتعزيز التكامل
هناك العديد من الباحثين والخبراء في مجال العمل والاندماج يتفقون على مجموعة من الحلول منها:
- تسهيل إجراءات الاعتراف بالشهادات: على السلطات السويدية تبسيط العمليات المرتبطة بالتحقق من المؤهلات الأكاديمية للمهاجرين وتوفير دورات مكثفة للتأهيل وفق معايير سوق العمل المحلي.
- تعزيز برامج اللغة: زيادة الدعم المقدم لتعليم اللغة السويدية، مع التركيز على المصطلحات المهنية المرتبطة بمجالات عمل محددة.
- تمكين المهاجرين في سوق العمل: إطلاق برامج توجيه وإرشاد تربط بين أصحاب الأعمال والمهاجرين، لتسهيل فهم متطلبات سوق العمل وتجاوز الفجوات الثقافية.
- حملات توعية: تعزيز الوعي لدى أصحاب الأعمال حول أهمية التنوع الثقافي في تطوير المؤسسات وتشجيعهم على توظيف المهاجرين بناءً على مهاراتهم وخبراتهم.
دور المهاجرين في تعزيز الاقتصاد
رغم التحديات، لا يمكن إنكار الأثر الإيجابي للمهاجرين على الاقتصاد السويدي. فهم يساهمون بشكل كبير في قطاعات حيوية مثل الرعاية الصحية، التعليم، النقل، والخدمات وغيرها.
رفع كفاءة اندماج المهاجرين في سوق العمل ليس مجرد مصلحة فردية، بل ضرورة وطنية لدفع عجلة الاقتصاد.
ينبغي النظر إلى المهاجرين كقوة قادرة على إحداث تغيير إيجابي، وليس فقط كأفراد يحتاجون إلى الدعم. كما إن توفير بيئة عمل منصفة ومستدامة لا يحقق فقط العدالة الاجتماعية، بل يعزز أيضًا من قدرة السويد على الاستفادة من التعددية الثقافية لبناء مجتمع أقوى وأكثر تنوعًا. إنها مسؤولية جماعية لتغيير الواقع وفتح الأبواب أمام إمكانيات لا حدود لها.
لينا سياوش
مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24