تعتبر الخصوصية الفردية أحد جوانب الكرامة الإنسانية التي تشير إلى حق كل شخص في احترام فرديته ومجاله الداخلي وعدم التعرض للتدخلات التي قد تمسه.
يمكن أن تحدث انتهاكات للسلامة الشخصية جسدياً (العنف والإكراه) او نفسيّاً (الإذلال، والكشف عن معلومات ذات طبيعة خاصة، والتمييز، والتلقين). (1)
يدور النقاش، هذه الايام في أكثرية الدول الأوروبية وبشكل خاص في دولة السويد، حول السياسة القانونية من أجل الدفاع عن الحقوق الفردية التي لها جذور عميقة في النظام الديمقراطي والمبني على أساس حرية التعبير وصيانة الحقوق الفردية المصاغة في الدستور.
إن المقترحات الرامية من قبل الحكومات الاوروبية، وبالأخص من قبل الحكومة السويدية الحالية، إلى زيادة سيطرة الدولة على المواطنين بعدد من الطرق، تقف حجر عثرة امام التطور الليبرالي وتتناقض مع القانون الذي يضمن الحقوق الفردية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الأصوات الناقدة حول مخاطر هذا التطور نادراً ما يكون لها أي تأثير. الجميع بحاجة إلى مناقشة عواقب الانتهاكات بعيدة المدى للخصوصية الفردية وكيف يمكننا تقليل مخاطر إساءة استخدام هذه التدابير التي تمنح للسلطات إمكانية التدخل بدون الرجوع الى الحماية القانونية لهذه الخاصية.
تنوي الشرطة السويدية على سبيل المثال البدء في استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي (AI) للمراقبة بالكاميرات في الوقت الفعلي اثناء او قبل وقوع الجريمة. حيث ان هذا الاجراء يعتبر جزء من اتجاه أكبر نحو زيادة صلاحيات تطبيق القانون للحد من ارتكاب الجريمة قبل حدوثها.
ومن ضمن الإجراءات ايضا السماح بالتنصت السري على المكالمات الهاتفية بدون وجود شبهة جنائية وإمكانية التفتيش بدون اذن من المدعي العام. وعلى الرغم من أن هذا التطور قد تلقى انتقادات واسعة، إلا أنه لا توجد علامات على انعطافة نحو التأثير او التغيير في المستقبل القريب.
حسب القوانين والدساتير الديمقراطية يجب على الدولة أن تمنع انتهاك الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين من قبل مواطنين آخرين، وفي نفس الوقت منع انتهاك الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين دون أسباب كافية.
إن نقاش السياسة القانونية اليوم يدور بشكل شبه حصري حول الجزء الأول، ولكن عندما تنخفض التزامات الدولة تجاه المواطنين إلى أدنى مستوى في قائمة الأولويات، فسرعان ما يبدأ النظام برمته في الميل نحو التراجع عن حماية الحقوق الفردية، مما يؤدي ذلك الى انهيار ثقة المواطنين بالدولة مع تزايد صلاحيات السلطة في رقابة المواطنين.
ولذلك فإن توسيع صلاحيات الدولة يجب أن يقابله ضمان للمواطنين بعدم إساءة استخدام السلطة. حيث يجب دمج آليات الحماية في النظام، ووضع حد لإمكانية التدخل في الحالات الخاصة التي يمكن للدولة أن تشرعها بمجرد أن تطالب بها في الوقت المناسب.
من أجل خلق دولة يتمتع فيها جميع المواطنين بالحرية في تحقيق الذات والبحث عن المعنى في عالم حر، مطلوب من الدولة والسلطات العمل من اجل كسب ثقة المواطنين. ذلك لن يتحقق إلا من خلال توفير حماية كافية ومتينة لخصوصية للفرد.
ولهذا السبب مهم جدا تعديل الدستور من اجل توضيح وتعريف معنى صيانة خصوصية الفرد وضمان السلامة الشخصية لحماية الحقوق الفردية.
عندما يتم تغير القوانين من خلال تقديم مقترح بزيادة صلاحية المراقبة كحل عام، تتزايد الحاجة إلى حماية الفرد، وعلى سبيل المثال حاجة المواطنين إلى منتديات بعيدة عن متناول الدولة.
يمكن بناء نظام يتمتع بوظائف حماية واضحة تتحكم في مراقبة الدولة وبالتالي مطلوب تغييرات محددة في ثلاث مجالات:
1ـ عدم كشف الهوية والخصوصية الفردية من قبل أجهزة الدولة بدون وجود سبب قانوني يعطي صلاحية للجهات المختصة بالقيام بذلك.
2ـ عدم كشف الهوية والعلاقات الخاصة، يحق للمواطن في اتخاذ القرار بشأن اتصالاته الخاصة بدون الكشف عن الهوية الشخصية. الا انه هذا الحق معرض الى خرق من خلال تقديم مقترح يعطي امكانية للسلطات بمراقبة جماعية تعسفية وغير فعالة وذلك عن طريق منح صلاحيات باستخدام برنامج Chat Control 2.0 على مستوى الاتحاد الأوروبي.
بموازاة منح السلطات هذه الامكانية يجب حماية حقوق الفرد في نفس الوقت – فالاتصالات المشفرة تحتاج إلى الحماية بموجب القانون.
3ـ مراقبة بالكاميرات
في الحرب ضد الجريمة المنظمة، أصبحت المراقبة بالكاميرات قاعدة أكثر من كونها استثناء، إذا مع استخدام المزيد والمزيد من الكاميرات تخاطر بفقدان السيطرة على حماية حقوق الفرد.
ولمنع حدوث ذلك، يلزم وجود وظائف تحكم واضحة مثل الحصول على التصريح وتحديد السقف الزمني لاستخدام هذه الكاميرات.
4ـ العلاجات الفعالة
ومن أجل ضمان اليقين القانوني، هناك حاجة إلى المراجعة المستمرة من اجل تجاوز وقوع أخطاء في المستقبل، كما يلزم إتاحة الفرصة لمعالجة الأخطاء التي يمكن ان تحدث. فالأمر يتعلق بمزيد من الضمانات الأمنية القانونية لحماية حقوق الفرد.
وبغض النظر عما إذا كان المرء يرى أنه من الضروري توسيع قدرة السلطات على المراقبة، أو إذا كان المرء ينظر إلى هذا التطور بعين الشك، فلابد أن يكون هناك اتفاق على التدابير الرامية إلى الحد من سوء الاستخدام.
ان المقترحات الاربعة أعلاه تسعى إلى السيطرة على ممارسة الدولة للسلطة وبالتالي كسب ثقة المواطنين. وحتى أولئك الذين يؤيدون زيادة المراقبة يجب عليهم أن يؤيدوا آليات المراقبة هذه، لأنها لا تزال تترك مجالاً لإنفاذ القانون بشكل فعال.
ومن أجل الدفاع عن القيم الأساسية للمجتمع الليبرالي وتعزيزها، لا بد من إعادة النظر في العلاقة بين المراقبة وانتهاكات الخصوصية الفردية. لقد فقدت السياسة مكانتها وهي تدفع بقضايا بعيدة كل البعد عما كان مقبولاً في السابق على المستوى الوطني وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي.
كل هذه من اجل حماية أقوى للخصوصية في الدستور، وهو حق قانوني في الاتصالات المشفرة.
فريد باسيل الشاني
مقالات الرأي تعبر عن رأي أصحابها وليس بالضرورة عن SWED 24
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1]) الخصوصية الفردية هي مفهوم قانوني. وهو محمي بموجب القانون، وبالتالي يعتبر انتهاكه بمثابة جريمة.
“لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه أو سمعته. ولكل فرد الحق في حماية القانون من مثل هذه التدخلات والهجمات.” – المادة 12 من إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان