الحوار مع سعادة السفير المغربي في السويد ولاتفيا، كريم مدرك، في “بيت المغاربة”، في سفارتهم التي تبعد على مرمى حجر من مبنى توزيع جوائز نوبل، وسط ستوكهولم له نكهة خاصة.. فرائحة الشاي المغربي تفوح في المكان، وغرف السفارة تشبه خلية نحل، لتقديم الخدمات للمغاربة الذين يصل عددهم، الى حوالي 30 ألف شخص.
في هذا الحوار تحدث سعادة السفير عن المغاربة في السويد ودورهم “وتعلقهم ببلدهم الأم” وعن العلاقات المغربية السويدية، وعن فرص الاستثمار والسياحة وكذلك حول تأشيرات الدخول للمغرب للمقيمين في السويد، وكشف عن التسهيلات الجديدة في التقديم الإلكتروني لتأشيرة الدخول، وكذلك عن الجهود المستمرة لإعادة فتح الرحلات المباشرة للمغرب من السويد.
أدناه نص الحوار
هل لكم تقديم فكرة عن عدد أبناء الجالية المغربية في السويد خصوصا وفي دول شمال اوروبا الاسكندنافية عموما؟
يقدر عدد أفراد الجالية المغربية المقيمة بالسويد بحوالي 30 ألف، يتوزعون في كل من مدن مالمو، يوتوبوري، وأوبسالا بالإضافة الى ستوكهولم. ويزداد عدد الوافدين المغاربة الى السويد بحيث يصل سنويا الى حوالي 1000 مسجل، ويرجع هذا الى عدة عوامل، من أهمها التجمع العائلي ونزوح بعض أفراد الجالية المغربية من بعض الدول الأوروبية كإيطاليا وإسبانيا، وألمانيا.
تلعب الجالية المغربية المقيمة بالسويد دورا هاما في التعريف بالثقافة والحضارة المغربية بهذه الربوع. وهي تفتخر ببلدها الأصلي وعراقة تاريخه وحضارته، ويعكس هذا التشبث بأن غالبيتهم يقومون بزيارة أهلهم في المغرب، كما أنهم دائما مجندين في الدفاع عن المقدسات الوطنية والوحدة الترابية للمملكة، والتعبير عن حبهم وفخرهم بانتمائهم لبلدهم المملكة المغربية.
وقد استطاعت كفاءات مغربية بالسويد تولي وظائف عليا في التدريس بالجامعات، وفي البحث العلمي، وفي التطبيب والهندسة وفي القطاعات المنتجة، وهناك من حقق تألقا في مجالات مختلفة كالفنون التشكيلية والألعاب الرياضية. ويتواجد المغاربة بكل المدن السويدية، إذ يقدر عددهم بأكثر من ثلاثين ألف بمن فيهم أفراد الأسر الذين ولدوا في إطار الزواج المختلط، غير أن الغالبية العظمى يتمركزون بالمدن الكبيرة مثل ستوكهولم ومالمو ويوتوبوري.
الجالية المغربية في السويد هي أولا جالية مغربية مثل كل المغاربة ما يميزها هو الإطار العام الذي تتواجد فيه هذه الجالية، حيث يتوفر في السويد مناخ للعيش والعمل يختلف في كثير من الأحيان عما هو موجود في دول أخرى. فالكفاءات المغربية المقيمة بالسويد مغاربة مندمجين على أحسن وجه، ويمنحون قيمة مضافة للسويد كما أنهم واعون بخصوصية المجتمع الذي يعيشون فيه. واجتهدوا ليكون اندماجهم مبني على المعرفة باللغة والحقوق والواجبات داخل المجتمع السويدي وفي نفس الوقت هم مغاربة متشبثون ببلدهم الأصلي ويتابعون كل الاصلاحات والإنجازات والتقدم الذي يشهده المغرب ويشاركون حسب استطاعة وقدرة كل واحد منهم في هذا التقدم الذي تعرفه المملكة المغربية، فهم بمثابة وسيط بين ثقافة البلد الأم وبلد الإقامة.
هل ممكن توضيح نوع الخدمات والعمل الذي تقومون به في السفارة المغربية وكيف تقيمون تجاوب المغاربة معكم وماهي أبرز التحديات التي تواجه السفارة في تقديم الخدمات لأبناء الجالية؟
تقوم مصلحة الشؤون القنصلية بمختلف الخدمات التي يطلبها الوافدون من تسجيل قنصلي وتسجيل الولادات والوفيات وإصدار وتجديد البطاقة الوطنية وجواز السفر وتصحيح الإمضاءات ومختلف العقود العدلية بالإضافة إلى دراسة ومنح التأشيرات لدخول التراب الوطني بالنسبة للأجانب القاطنين بالسويد. ليست هناك تحديات خاصة بهذا المركز القنصلي إلا إذا اعتبرنا في بعض الأحيان مسألة البعد بالنسبة للجالية القاطنة في مالمو ويوتيبوري، فإن السفارة تقوم قدر المستطاع بتنظيم قنصليات متنقلة مرتين في السنة من أجل تسهيل وتقريب الخدمات القنصلية.
كما يمكن اعتبار تعليم اللغة العربية، بالإضافة للحفاظ على الهوية الدينية والثقافية والحضارية لأنباء الجالية المغربية تحديات أخرى، حيث تلعب الجمعيات المغربية دورا هاما في هذا الصدد.
الى اين وصلت قضية استقبال المغرب للأطفال غير المصحوبين بوالديهم الذين تقدموا بطلب اللجوء في السويد وتم رفضهم؟
تعتبر الهجرة موضوعا حساسا خاصة عندما يتعلق الأمر بقاصرين، هناك بعض الحالات القليلة، والتي يتعامل معها المغرب في إطار احترام اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والمواثيق الدولية في هذا المجال، وذلك بتعاون وتنسيق ومشاورات مستمرة بين السلطات السويدية والمغربية التي تقوم بدراسة كل حالة بحالة.
في سنوات سابقة شهدت العلاقات بين السويد والمغرب توترات على خلفية الموقف السويدي من قضية الصحراء، كيف تقيم العلاقات الثنائية حاليا؟
تشهد العلاقات بين المملكة المغربية والسويد تطورا ملحوظاً في مختلف المجالات، بفضل الرغبة الأكيدة لدى مسؤولي البلدين في توطيدها وتدعيمها. ويعكس هذا التوجه الزيادة الملحوظة في تبادل الزيارات، فضلا عن تعاون البلدان وتنسيقهما بشأن العديد من القضايا الدولية الراهنة. لا يقتصر التعاون بين المملكة المغربية والسويد فقط على الصعيدين السياسي والاقتصادي، بل يتجاوزه ليشمل التعاون الثقافي، فالمملكة المغربية تشارك في أبرز الفعاليات الثقافية والفنية التي تستضيفها السويد.
وعلى الصعيد الاقتصادي والتجاري، يعمل البلدان على تعزيز التجارة وإزالة العقبات التي تحول دون تحقيق هذا الهدف. وفي هذا السياق، انتقلت بعثات تجارية من رجال الأعمال السويديين إلى المملكة خلال الاشهر الماضية لأجل استكشاف الفرص التجارية والاقتصادية التي يتيحها المغرب، الذي يشهد دينامية تنموية ملحوظة وقبلة أساسية للاستثمارات الأجنبي، بفضل موقعه الجغرافي القريب من أوروبا، ووضعه المتقدم في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، واتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمها مع العديد من الدول والتكتلات الاقتصادية، وتواجده المتميز داخل السوق الإفريقية.
حاليا ليست هناك أي تأثرات بين المغرب والسويد، بل هناك إرادة قوية وجادة في العمل على تطوير العلاقات من الجانبين، والتي تتميز بالاحترام المتبادل والتعاون في مجالات عديدة منها الاقتصادية والثقافية. كما توجد هناك مشاورات سياسية ودبلوماسية بين البلدين في مواضيع ذات الاهتمام المشترك. وقد شاركت وزيرة الشؤون الخارجية السويدية، السيدة انا ليندا، في أعمال الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد داعش، المنعقد في مدينة مراكش في شهر ماي الماضي. فالعلاقات الثنائية بين الدول يمكن أن تعرف في بعض الأحيان بعض التوترات، وهذا يكون غالبا شيء طبيعي وصحي لكونه يسمح للطرفين بمراجعة بعض المواقف وإيجاد حلول لبعض الملفات العالقة بينهما.
أنا لا أود التطرق للمواضيع السياسية بما أنك قلت إن اللقاء هو فقط لمناقشة موضوع الجالية. ولكن أود أن أؤكد لكم أنه فيما يخص الصحراء المغربية، فإن المغرب يحظى بثقة المجتمع الدولي، وبمساندة الأغلبية الساحقة للدول العربية والإسلامية لطي ملف هذا النزاع المفتعل، وبهذا الخصوص قامت المملكة المغربية بتقديم “مبادرة الحكم الذاتي”، والتي حظيت بإشادة دولية وأممية باعتبارها أرضية جادة وذات مصداقية هي أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب في إطار التفاوض لإيجاد حل لهذا النزاع المفتعل.
إن المملكة المغربية تسعى جادة لبناء مغرب عربي متكامل يخدم مصلحة الشعوب المغاربية والابتعاد عن الصراعات الإيديولوجية التي تقف عائقا لتنمية هاته المنطقة، وأنا اؤكد لكم كما سبق أن صرح صاحب الجلالة محمد السادس “أن المغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”.
بالنسبة الى الاستثمار في المغرب كيف تقيمون حجم هذا الاستثمار من قبل السويديين من أصول مغربية خاصة والعرب بصورة عامة؟
تعتبر المملكة المغربية وجهة مفضلة للعديد من الشركات والمقاولات الأجنبية الكبرى في العقود الأخيرة. ويعود ذلك إلى تحسن متواصل لمناخ الأعمال بفضل الاستقرار السياسي والأمني للمملكة، الى جانب تميز المغرب بموقعه الجغرافي والاستراتيجي حيث يعتبر بمثابة صلة وصل بين الشرق والغرب وبوابة لتدفق الاستثمارات الاجنبية نحو إفريقيا من خلاله. ومن المنتظر أن تنتهي أشغال إنشاء ميناء الداخلة على المحيط الاطلسي.
تأتي الاستثمارات العربية في المغرب، في المركز الثاني بعد الاستثمارات الأوروبية، ثم تأتي الاستثمارات الأميركية والكندية مجتمعة في المرتبة الثالثة.
وقد بلغ صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة أزيد من 6,14 مليار درهم في نهاية أبريل 2022، بزيادة بلغت 5 في المائة مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2021. وبالنسبة للتجارة الخارجية، فان إيرادات الاستثمارات الخارجية المباشرة سجلت ارتفاعا ب % 7 لتبلغ 9,8 مليار درهم نهاية أبريل 2022، في حين سجلت النفقات من جانبها انخفاضا بنسبة%22 إلى 3,66 مليار درهم.
وبلغ صافي تدفق الاستثمارات المغربية المباشرة في الخارج 5,17 مليار درهم برسم الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2022، مسجلا انخفاضا بنسبة% 20 مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية.
وفي إطار المساعي الرامية إلى التحول إلى صناعة السيارات الكهربائية مؤخرا، يهدف المغرب إلى التأسيس لصناعة قوية في مجال انتاج السيارات الكهربائية، في ظل وجود توجه عالمي نحو هذا النوع من السيارات الذي يُعتبر صديقا للبيئة من أجل الانتهاء من التأثيرات السلبية الناتجة عن الانبعاثات الملوثة للبيئة التي تصدرها السيارات بسبب اعتمادها على البترول والغاز.
بالنسبة الى السفر الى المغرب.. هل الحاصل على الإقامة في السويد لا يستطيع السفر الى المغرب لأغراض السياحة؟ ويجب ان يكون له جنسية سويدية؟
-بإمكان الأجانب القاطنين بالسويد والحاصلين على بطاقة الإقامة في السويد الحصول على التأشيرة الإلكترونية لدخول التراب الوطني، حيث أطلق المغرب، ابتداء من 10 يوليوز 2022، مسطرة منح التأشيرة الإلكترونية “eVisa” عبر المنصةwww.acces-maroc.ma. وذلك بهدف تسهيل منح التأشيرة للمواطنين الأجانب الخاضعين لهذا الإجراء. كما تندرج التأشيرة الإلكترونية في إطار استمرارية الجهود التي يبذلها المغرب على الصعيدين الوطني والدولي لرقمنة الخدمات المقدمة من طرف الإدارة العمومية، وكذا في إطار تحديث العمل القنصلي على مستوى البعثات الدبلوماسية والمراكز القنصلية للمملكة المغربية.
كيف تقيم جودة وكفاءة الجهد السياحي في بلدكم المغرب تجاه السويديين والأوروبيين عموما لجذبهم الى المناطق السياحية في المغرب؟
كما لا يخفى عليك فإن المغرب يستقطب بين 13 و14 مليون سائح في السنة. نظرا لأن المملكة تتوفر على عدة مؤهلات السياحة سواء فيما يتعلق بالسياحة الثقافية أو الحضارية والطبيعية حيث يتوفر المغرب على شواطئ جميلة توفر للسائح مختلف أنواع الرياضات المائية، بالإضافة الى البنية التحتية من أفخم الفنادق وكذلك المطبخ المغربي المتنوع والعريق.
ويعرف القطاع السياحي في المغرب انتعاشا حيث أنه يستمر في تطوره الإيجابي نحو العودة إلى مستويات ما قبل أزمة كوفيد. وستساهم عدة عوامل في إعادة انتعاش القطاع السياحي بالمغرب، من قبيل تعزيز الطاقة الاستيعابية للنقل الجوي التي تتجاوز نسبتها المعهودة خلال عام 2019، فضلا عن الشراكات المختلفة المبرمة مع منظمي الرحلات السياحية لتأمين وصول عدد كبير من الوافدين، ثم التدابير المختلفة المتخذة لتعزيز جاذبية المغرب كوجهة سياحية عالمية، مثل إطلاق التأشيرة الإلكترونية في الشهر الماضي، والتي ستنعكس آثارها الإيجابية على الوافدين على المملكة على المدى المتوسط.