مقال رأي: يبدو ان العالم لم يتعظ بعد من تجاربه السابقة، فالحروب والغزوات الكثيرة التي لم تسفر سوى عن تدمير الشعوب وهدم بناها التحتية بشكل كامل، هي خراب يحتاج عقوداً من الزمان ليُعاد إصلاحه من جديد.
الحرب الروسية – الأوكرانية، ليست سوى حلقة إضافية تضاف الى سلسلة الحروف التي شُنت في دول عدة، كالشيشان والعراق وسوريا واليمن وأفغانستان وليبيا والتي لم تتخذ من غير الشعوب وقوداً لها.
يتحدث حلف الناتو باستمرار عن عقوبات يفرضها على روسيا، لكن عن أي عقوبات يتحدث؟ من سيدفع ثمن تلك العقوبات، هل هم رؤساء الدول أم الشعوب، ألم نشهد ما حصل في البلدان التي سبقت روسيا وكيف تعاملت مع العقوبات، لنتخيل مثلاً أن رفع أسعار الوقود سيؤثر على اقتصاد بوتين الشخصي وسيكون مطلوب منه ان يستخدم الباص وقطار الانفاق لتقليل كلفة بنزين سيارته!
ارتفاع أسعار الوقود، تشريد الملايين من منازلهم وحياتهم وضغينة الشعوب بعضها ضد الآخر نتيجة سياسة الكيل بموازين مختلفة ليست سوى بدايات لأزمة قد تؤثر على المستوى العالمي لو استمرت.
ما الذي افرز عنه غزو أمريكا للعراق، خروجها من أفغانستان وترك الساحة خالية أمام طالبان، اليمن التي تشهد مأساة إنسانية يفوق وصفها الحد، ماذا حصل لهذه الشعوب وغيرها غير انهيارها ودفعها الثمن غاليا من كرامتها وحياتها.
أياً كانت دوافع الحرب المعلنة والمخفية فهي كريهة. ولا رابح فيها. لكن أن تتحول الحروب الى وسيلة لتسوية الحسابات وصراع بين قادة الحروب، فان تلك جريمة بحق الشعوب.
ما يحصل في أوكرانيا يمكن ربطه بقصة الطفل المغربي ريان الذي لقى حتفه بعد وقوعه في بئر وبقائه فيه لمدة خمسة أيام، وما حدث من اهتمام عالمي بمأساة طفل ونسيان مآسي أطفال آخرين مثله، لذلك يمكن القول لا الشعب الأوكراني ولا غيره من الشعوب يستحق الحرب والموت، مثلما الطفل ريان ولا غيره من أطفال العالم يستحقون الموت، لكن قبل أوكرانيا كان هناك الكثير من الشعوب التي ذاقت أبشع صنوف القسوة والاضطهاد وقبل ريان لقى الاف الأطفال حتفهم بطرق وحشية شتى، يكفي ان البحر الأبيض المتوسط لفظ الكثير منهم الى ساحله او اطعمهم للأسماك، أين كان العالم حينها؟ لماذا لم ينشغل بهم العالم كل هذا الانشغال؟ ام هي فقط حرب الماكينة الاعلامية التي توجه عدساتها نحو ما تريد؟
أين العالم من أطفال اليمن الذين يواجهون مأساة حقيقية، طفل يموت كل 70 ثانية فيما تشير أرقام الأمم المتحدة الى ان 400 طفل يمني قد يموتون هذا العام مع الأخذ بنظر الاعتبار أن أرقام الأمم المتحدة تفصح عن جزء بسيط من الواقع وليس كله، لكن مع ذلك يتم تغطية هذه الجرائم البشعة تجاه الأطفال بتقرير قصير لا يتجاوز الدقائق على شاشات التلفزيون.
الموت والدمار والتشرد وغيرها من ما تفرزه آلة الحرب البشعة واحدة لا تقبل تفسيرات عدة، الحرب واحدة والموت واحد. المتغير هو ما نقدمه من تفسيرات لتبرير ازدواجية التعامل مع المواقف.
لينا سياوش – السويد
المقال يُعبر عن رأي الكاتبة