منذ الساعات الأولى من قيام سلوان موميكا بحرق المصحف في ستوكهولم، بدا الغضب من هذا العمل واضحاً، حتى في البلدة التي كان يسكن فيها، خصوصا ممن كانوا على معرفة سابقة به، اذ رأى العديد منهم عندما تحدثت معهم SWED 24 في العراق، أن ما قام به سلوان، “ينم عن أفق ضيق يجهل حقاً حجم المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها سكان بلدته وأهله جراء تصرفه هذا”، حسب وصف أحدهم.
يقول نجيب سلوقا لـ “SWED 24 ” الوضع لدينا في العراق وفي غالبية الدول العربية غير الوضع في أوروبا، حرية الرأي والتعبير لدينا لا تتعدى مطلقاً حدود المساس بالمقدسات، ذلك خط أحمر لا يجوز تخطيه”. لذلك يبقى السؤال الذي يشغل بال سلوقا وسكان بلدته، قائماً وهو : “ما هي الأسباب التي قد تؤدي بشخص على علم بعاداتنا وتقاليدنا وأهمية الكتب المقدس في مجتمعاتنا للقيام بمثل هذه الخطوة المستفزة”؟
المسيحيون غاضبون أيضا
المتابع لوضع الشارع في مناطق اقليم كردستان والعراق عموما، يُدرك ان العلاقات بين الناس من مختلف الأديان والانتماءات والقوميات، تتسم عادة باحترام المقابل والرغبة في تقديم العون له ما استطاع المرء سبيلاً الى ذلك، والحقيقة ان العراق الغني بتنوعه الديني والعرقي والاثني، امتاز ومنذ القدم بالتوافق والمودة، لم يعكر هذه العلاقات غير التدخلات والتصفيات الدخيلة التي قلبت البلاد رأساً على عقب منذ عام 2003 في مرحلة لا زال العراقيون يدفعون ثمنها باهظاً.
ويمكن القول ان هناك اتفاق جماعي شعبي غير مكتوب لدى العراقيين، يقضي بضرورة احترام دين ومقدسات الطرف الأخر وعدم التطرق الى المواضيع التي قد تثير النعرات الدينية على وجه الخصوص، لأنه حينها يكون من الصعب جداً الإرتكاز على المنطق والحوار لتجنب وقوع النزاعات او مشاكل قد تتفاقم بأسرع من المتوقع، فمعظم النار من مُستصغر الشرر، ويمكن لكلمة او فكرة خارج نطاق المألوف ان تولد شغب وفوضى عارمتين.
ورغم ان التصرف الذي قام به موميكا اساء الى مقدسات المسلمين بشكل خاص، الا ان اهالي منطقة موميكا، المسيحيين بدوا اكثر غضبا لما قام به، معتبرين فعلته تلك أمر مسيء لهم بالدرجة الأولى، لما في ذلك من زعزعة للأمن الاجتماعي الذي يعيشونه، وما أحوجهم الى ذلك بعد الحملات الشرسة التي عانوا منها لإبادتهم وطردهم من بلدهم الأصلي منذ عام 2003.
قد تكون تسميات العصابات والمليشيات التي حاولت ابادة الوجود المسيحي في العراق مختلفة، الا ان الهدف كان واحداً، وهو إفراغ العراق من المكون الأصلي له.
تقول نجيبة داوود لـ SWED 24، ما الذي يبغيه موميكا من تصرفه هذا؟ لا زلنا نحاول التقاط أنفاسنا من الكوارث التي حلت علينا في السابق.
وتضيف: مثل هؤلاء الأشخاص يعمدون الى اثارة المواقف ضد المكون المسيحي في بلد يمكن ان يثير الوحش في بركانه في اي وقت.
القانون هو الغالب
يتساءل فريد بابوكا وهو مواطن من البلدة التي سكن فيها موميكا في العراق عن سبب قبول السويد بمثل هذه الأعمال رغم معرفتها حق المعرفة، بأن من شأن ذلك ان يسيء اليها والى أمنها.
والحقيقة ان مثل هذه الأفعال وما قام به المتطرف اليميني الدنماركي بالودان راسموس من حرق المصحف في مناسبات ومدن سويدية عدة، له بالفعل آثار على العلاقات الدولية التي تربط السويد بتركيا، حتى ان ذلك أثر كما هو معلوم، على طلب السويد في انضمامها الى حلف الناتو.
لكن هناك قوانين راسخة في السويد، لا يمكن ان تحركها استياءات شعبية او احتجاجات، هي قوانين يبلغ عمرها مئات الأعوام وليس من السهل تغييرها حتى من قبل الحكومة بل تحتاج الى اكثر من ولاية حكومية لإجراء تغيير قانوني بسيط على القوانين الرئيسية، وربما هذا هو الأمر الذي منح البلد امتياز تسميته ببلد القانون والنظام، هو كذلك بالفعل، فالقانون يسود وهو الغالب.
وحرق الكتب المقدسة في القوانين السويدية ليس أساءة، بقدر ماهو تعبير عن رأي القائم بالفعل فقط. الحريات في هذا البلد مكفولة، كما ان للبلد قيمّ مختلفة عن القيمّ التي تتبناها المجتمعات الشرقية والشرق أوسطية، فحرق الكُتب بضمنها الكتب المقدسة (الأمر يتعلق بجميع الأديان)، هو فعل ليس فيه انتقاص من شأن أحد بنظر القانون السويدي، بل ان الكذب على المؤسسات الحكومية ومزاحمة الآخرين في طوابير الانتظار واثارة الفوضى أو التسبب بإزعاج الآخرين هو ما قد يثير بالفعل السويديين المعروفين ببرودهم ويدفعهم الى الغضب.
لم تتفاقم الأمور بهذا الشكل ولم تصل الى حد اقتحام السفارة السويدية في العاصمة العراقية بغداد عندما قام بالودان بحرق المصحف مرات عدة في السويد، ربما لان الشخص دنماركي الأصل ولا يمت بصلة لقيم وتقاليد شعوب الدول العربية الإسلامية، وبدا الغضب مضاعفاً بتصرف موميكا، حيث يرى مواطنيه انه كان الاجدر به التفكير بأهله في العراق قبل إقدامه على مثل هذا الفعل.