مقالات الرأي تُعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن رأي SWED 24
في سهرة لطيفة، بوجود بضعة صحون متواضعة بسبب غلاء الأسعار الفادح. انقسم الحاضرون حول مقولة ابن خلدون (الظلم مؤذن بخراب العمران). منهم من يرى أن سقوط الكوكب في حظيرة اليمين المتطرف، مسيطر عليه من قوى غامضة، سحرية، تحكم العالم، فما يحصل ضرورة موضوعية، لحدوث قفزة جديدة في الاقتصاد والعلم، لأن كل القفزات العلمية التي حدثت، لم تحدث إلا في أجواء هيمنة المعتقدات اليمينيّة المتطرفة، فبعض الظلم لا بد منه!
ومنهم من يرى أن ارتفاع منسوب مؤشر التطور العلمي، لا يترافق مع ارتفاع مؤشر القيم الأخلاقية والتي مازالت إلى الآن لم تصل إلى مستوى القوانين العلمية، بذات الحتمية فخراب العمران احتمال وارد.
هنا يقول ممدوح عدوان في كتابة (حيونة الإنسان): “إن عالم القمع المنظم منه والعشوائي، الذي يعيشه إنسان هذا العصر، هو عالم لا يصلح للإنسان ولا لنمو إنسانيته. بل عالم يعمل على “حيونة الإنسان”.
سقوط الكوكب كأسير في يد اليميّن، أظهر العالم أنه مستعجل بالذهاب نحو التطرف والتوحش، براحة ضمير لم تشهدها البشرية من قبل.
لأن مجتمع متماسك، ومتطور مثل المجتمع السويدي على مستوى النظم الأخلاقية، التي تنفرد بها السويد لوقت قريب، يتحول جزء كبير منه فجأة إلى مجتمع يميني متطرف، هي ظاهرة غريبة، عبر عنها إيريك فروم (بالنرجسية الجماعية). وليس أي يمين متطرف، لكنه يمين متخصص باللاجئين بحملة الاقامة المؤقتة والدائمة، مستخدما خطابا موتوراً، من التضيق والحصار والاتهام.
ولولا أن شعر اللاجئين أسود، لكانوا طلبوا منهم وضع بطاقة صفراء على صدرهم مكتوب عليها لاجئ!
فتجاهل قضايا غاية في الأهمية على المستوى الاقتصادي، والأمني، والطاقة، والبيئة، بوضعها تحت السجادة، واعتبار أن قضية السويد الأولى، هي بضعة ألاف من أشخاص هم ضحايا أصلا أتوا من دول هي أكبر مستهلك في سوق السلاح، لا يمكن اعتبارهم عائقا في مسيرة نمو المجتمع.
واللاجئون عموما لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، يقول ابن خلدون (الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها).
وهذا بديهي، والسويد كانت تقوم بخطوات غاية في الأهمية نحو تقبل الأخر من كل الأطراف بالنسبة للاجئ وللمواطن السويدي. من خلال عرض الثقافات المختلفة عن طريق التعليم والفن والموسيقى والأدب والطعام.
وهذه الردة المريبة، والانقلاب الفج على قيم وسياسات دفعت الانسانية ثمنا كبيرا جدا لها حتى تصل إلى هذه المرحلة، لا يوجد لها مبررا منطقيا وعلميا.
فالحرب القائمة في الجوار، من غير العقلاني أن تتسبب برمي عدد كبير من الناخبين في أحضان اليمين المتطرف فجأة.
أوروبا لم تكن بعيدة عن الانقلابات حتى وقت قريب
فالعالم عموما وأوروبا خصوصاَ لم يكونا يوما بلا توتر أمني، وحتى قلق وجودي. الديكتاتورية والانقلابات العسكرية لم تنته في إسبانيا إلا في عام 1975، والبرتغال 1974، واليونان 1974، وتركيا 1997. وتفكك الاتحاد السوفيتي البلد النووي، وسقط جدار برلين، وانفجرت الحروب الدامية في بلد كان ترسانة أسلحة، وسط أوروبا مثل يوغسلافيا. التي سالت فيها الدماء، بأكثر الطرق توحشا.
ولم تتخلى الولايات المتحدة، وبريطانيا، والسويد، عن إجراء التعقيم الإجباري لذوي الاحتياجات الخاصة، والمرضى، وغير المرغوب فيهم، تحت عنوان مشروع تحسين النسل! ولم يحدث هذا التخلي إلا في منتصف السبعينات. ومع ذلك استمر العالم محاولا بناء منظومة أخلاقية مناسبة وفعالة.
كانت السويد في هذه الأثناء تستقبل ملوّني الأرض دون توقف. وتنمي لياقتها بالتعامل معهم. لتنصر الضعفاء من الأفراد والجماعات والعرقيات. ليتحول الوضع برمته، بطريقة غامضة، من جهودها لتوليد العدل والمساواة، إلى توليد الخوف، والقلق.
فأعد اليمين المتطرف فطيرة مسمومة، محضرة من مكونات، الاندماج واللغة والبطالة والجريمة المنظمة، وقدمها بطريقة سادية، على شكل مسؤوليات واتهامات جاهزة لأناس بوصفهم معادين وعليهم الوقوف على صفيح ساخن طوال الوقت، وفي نفس الوقت تحقيق الشروط، وسط هذه الأجواء الضاغطة بلا رحمة. والتي أصبحت فيها حتى حرية التعبير معرضة للخطر! و ذات الفطيرة المسمومة قد تبتكر يوما ما أفكار تخص حاملي الجنسية من المولودين في الخارج. بإعادة تقيمهم والتفتيش في ضمائرهم، من يدري؟ والقول علناَ أنهم سيسهلون الإجراءات لأصحاب الكفاءات فقط! تعني أنهم أسقطوا فكرة أن اللاجئ إنسان أساساَ بغض النظر عن قدراته الفردية.
اكذب اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس
في كتاب (تاريخ التعذيب) ل بيرنهاردت ج هروود ترجمة ممدوح عدوان يأتي بالخلاصة التالية: (الشعبية التي تتمتع بها أي فكرة أو فن، إنما تعكس ذوق المجتمع الذي يروج فيه).
ويسمح اليمين المتطرف لنفسه بالكذب والنفاق علناً، حين يظهر أحدهم على شاشة تلفزيون لنظام أمني استقبلت السويد ضحاياه، ووثقت مظالمهم على أوراق وأختام حكومية، ومنحتهم إقامات وجنسيات. يتكلم بلا طلاقة، يجعلنا كلامه مُندهشين، حين يتهم اللاجئين بالإرهاب والداعشية! ويمعن في الكذب والتضليل حين يشكوا للمذيعة، أن هناك مناطق لا تستطيع الشرطة دخولها لأن كلها دواعش! هذه الفبركة الفاجرة، حتى إذا ما سمعها السويديون أنفسهم سيسخرون منه.
الكل يعرف أن هناك بعض المناطق، تنشط فيها عصابات المخدرات وتبييض الأموال والشرطة السويدية لا تقول غير ذلك أصلاً، لكن الغريب استماتة هذا الشخص في تبرئة العصابات، وإتهام اللاجئين!
من حقنا أن نرتاب بهذا المنطق، الذي يتبنى مقولة (جوزيف غوبلز) “اكذب اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس”.
مع أنه يوجد عدد كبير من أعضاء هذه العصابات، من أصول مهاجرة، ومن لاجئين جدد وقدامى، والذين يسقطون قتلى برصاص بعضهم البعض أحياناً، وهم ما زالوا في ريعان الشباب، مقابل حفنة من المال.. مشهد يفطر القلب. إنهم مادة للجريمة والخروج على القانون، وليسوا مولد لها، الجريمة المنظمة أعقد من هذه المظاهر الظاهرة. الاستثمارات التي تحرك مليارات الدولارات في سوق المخدرات، تقودها كارتلات عابرة للقارات، قادة هذه الكارتيلات من كل الأعراق، والألوان. لا أظن أن لاجئ يحصل على مساعدة سكن يقوى عليها. على كل حال وإن كان لقاء تلفزيوني لن يراه أحد، لكن هذا النوع من العدوانية ينطبق عليه وصف المفكرة “حنا أرنت” بـ (تفاهة الشر).
في النهاية وإن كرر البشر سلوكهم القبيح، و الفاسد، لكن التاريخ لن يكرر نفسه، واسطورة النقاء العرقي ولّى زمنها، والتيارات السياسية التي تمارس الخداع والنفاق الأخلاقي على جمهورها، والاغتصاب النفسي على خصومها، لن تستطيع تحويل العالم إلى مزرعة للبِيّض فقط، غالبا ما تنهار سريعاً أسوار العنصرية والكراهية من ثقل هذه الأفكار وسماجتها.