رأي/ إن القرار الأخير للولايات المتحدة بخفض تمويل منظمة الصحة العالمية (WHO) يثير تساؤلات مهمة حول مستقبل التعاون الصحي العالمي. ففي وقت يواجه فيه العالم تحديات خطيرة مثل الأوبئة، وتزايد الفجوات الصحية، وانتشار الأمراض المعدية، تصبح المؤسسات الدولية القوية أكثر أهمية من أي وقت مضى.
ومع ذلك، فإن لحظات الأزمات قد تكون أيضًا فرصًا للتأمل وإعادة التقييم. ربما يكون هذا الوقت مناسبًا لإعادة النظر في دور منظمة الصحة العالمية والتفكير في كيفية تعزيزها حتى تتمكن من خدمة جميع الشعوب بشكل أكثر فاعلية.
لقد أثبت التاريخ أن أي دولة لا يمكنها حماية الصحة العامة بمفردها. فالأمراض لا تعترف بالحدود، وصحة أي بلد ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصحة الآخرين. لقد تم إنشاء منظمة الصحة العالمية لتنسيق الاستجابات الصحية العالمية، وتقديم الإرشادات العلمية، وضمان حصول جميع الدول، وخاصة تلك التي تعاني من نقص الموارد، على الدعم اللازم.
وبينما قدمت المنظمة مساهمات كبيرة في القضاء على الأمراض، والتأهب للطوارئ، وتوزيع اللقاحات، إلا أنها ليست خالية من التحديات. لذلك، من الحكمة أن نسأل: كيف يمكن تحسين هذه المؤسسة؟ وكيف يمكنها تعزيز العدالة والنزاهة والتعاون في مجال الصحة العالمية؟
إن خفض التمويل المقدم لمنظمة الصحة العالمية قد يضعف قدرتها على الاستجابة للأزمات الصحية، وتقديم المساعدات الطبية، وتطوير مبادرات صحية منقذة للحياة.
ومع ذلك، فإن هذا الوضع يشكل أيضًا فرصة للتفكير في كيفية إصلاح المنظمة. فالتقدم الحقيقي يحدث عندما ترتقي الدول فوق المصالح الضيقة وتعمل من أجل رفاهية الإنسانية جمعاء. يحتاج العالم إلى قيادة تضع العدل، والنزاهة العلمية، والأمن الصحي المشترك في مقدمة أولوياتها، بدلاً من التركيز على المصالح السياسية قصيرة المدى.
إن منظمة الصحة العالمية، في شكلها الحالي، لا تحقق دائمًا هذا الهدف. فهي تتأثر بالسياسة، وتتمتع بعض الدول بنفوذ أكبر من غيرها في عملية صنع القرار. هذه قضايا تستحق المعالجة. ولكن بدلاً من الانسحاب أو تقويض المنظمة، ينبغي على الدول أن تعمل معًا لتعزيز هذا النظام، وضمان أن تستند السياسات الصحية إلى العلم والشفافية واحتياجات جميع الشعوب، وليس فقط مصالح بعض الدول. لا يمكن أن يكون هناك نظام صحي عالمي فعال دون التعاون والثقة والالتزام بالصالح العام.
إن هذا الوقت في التاريخ يضعنا أمام خيارين: إما أن نتجه نحو الانقسام، حيث تهتم كل دولة بمصالحها الخاصة فقط، أو نحو مزيد من الوحدة، حيث تتعاون الدول لضمان أن تكون الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض متاحة للجميع. إن الطريق نحو الأمن الصحي العالمي واضح: يجب على البشرية أن تتكاتف، ليس فقط لمعالجة الأزمات الصحية الحالية، بل لبناء نظام يضمن الصحة والرفاهية للأجيال القادمة.
الآن هو الوقت المناسب للقادة والمجتمعات للتفكير: كيف يمكننا تحسين التعاون الصحي العالمي؟ وكيف يمكننا بناء نظام أكثر عدلاً وفاعلية لحماية الصحة العامة؟ إذا استغللنا هذه اللحظة للتأمل والتشاور واتخاذ قرارات حكيمة، فقد نحول هذا التحدي إلى فرصة لعالم أكثر صحة وعدلاً.
الدكتور زياد الخطيب
باحث في علم الأوبئة
مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24