SWED 24: تعد السويد من الدول التي تشهد تساقط الثلوج بكثرة طوال فصل الشتاء، حيث يتوقع السكان عادةً أن تكون الأيام الباردة والثلجية جزءًا من حياتهم اليومية. لكن المفارقة تكمن في أن الناس يتفاوتون في كيفية تقبلهم لهذا الحدث الطبيعي، فبينما يشعر البعض بفرح بالغ لدى رؤية الثلوج تتساقط، يعتبرها آخرون أمراً مزعجاً يحمل معه تحديات كبيرة. فما الذي يحدد كيفية تعاملنا مع تساقط الثلوج؟ وهل يمكن تأهيل أجسادنا وعقولنا لهذا التغير الموسمي؟
التأقلم البيولوجي والنفسي مع الثلج
تشير الدراسات السويدية إلى أن التغيرات المناخية، بما في ذلك تساقط الثلوج، تؤثر على الإنسان بطرق مختلفة.
ووفقًا لبحث أجري في “جامعة أوبسالا” حول كيفية تأثير الطقس البارد والثلج على الصحة النفسية، يمكن القول إن هناك عوامل متعددة تسهم في استجابة الفرد لهذه الظاهرة. يعود التفسير البيولوجي إلى كيفية تفاعل الجسم البشري مع الطقس البارد، حيث يبدأ الجسم في تغيير بعض الوظائف لمقاومة البرد. هذه التغيرات تشمل زيادة تدفق الدم إلى الأعضاء الحيوية، وتفعيل آلية “الاستجابة للبرد” التي تساعد الجسم في الحفاظ على درجة حرارته الداخلية.
على الجانب النفسي، ترتبط استجابة الشخص لتساقط الثلوج بتوقعاته العامة للفصل الشتوي وذكرياته المرتبطة بالثلج. في السويد، حيث يسقط الثلج بكثرة، يعبر البعض عن سعادة كبيرة عند قدوم فصل الشتاء، معتبرين أنه فرصة لممارسة الرياضات الشتوية مثل التزلج والتزحلق على الجليد. هؤلاء الأشخاص يتفاعلون مع الثلوج بطريقة إيجابية، حيث يربطونها بالمتعة والنشاط البدني.
في المقابل، يعاني البعض الآخر من “الاضطراب العاطفي الموسمي” (SAD) الذي يُعزى إلى نقص الضوء الطبيعي في فصل الشتاء. هذا الاضطراب يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالحزن والكسل، ما يجعل تساقط الثلج يفاقم الشعور بالوحدة والانعزال. تُظهر الأبحاث أن نقص الشمس والضوء الطبيعي يؤثران على مستويات السيروتونين في الدماغ، مما يؤدي إلى انخفاض الطاقة والشعور بالإحباط.
تأثير الثلوج على الصحة البدنية
في السياق البدني، أشارت دراسة أجراها “معهد كارولينسكا” في ستوكهولم إلى أن التكيف مع البرد والثلج يتطلب تحضيرًا جسديًا ونفسيًا. فالمشي في الثلج يتطلب جهدًا بدنيًا أكبر من المشي في الظروف العادية، حيث يحتاج الجسم إلى مزيد من الطاقة للتدفئة والحفاظ على التوازن في الأرض الزلقة. وفقًا للدراسة، فإن الأشخاص الذين يقضون الكثير من الوقت في الخارج في الأجواء الثلجية يتعلمون كيفية تجنب الإصابات، مثل السقوط على الجليد، من خلال زيادة الوعي بالجسم والبيئة المحيطة بهم.
أما بالنسبة لأولئك الذين لا يجدون الراحة في الثلج، يمكن أن تؤدي التأثيرات البدنية مثل التوتر العضلي من البرد الشديد أو التأثر النفسي الناتج عن التغيرات الجوية إلى مشاعر سلبية تؤثر على راحتهم العامة. بعض الأشخاص قد يعانون من آلام المفاصل والعضلات نتيجة للتقلبات المفاجئة في درجات الحرارة، وهو أمر شائع بين كبار السن.
كيف نؤهل أنفسنا لتقبل الثلج؟
مفتاح التأقلم مع الثلج هو القدرة على التكيف، وهذا يتطلب اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية سواء على المستوى البدني أو النفسي. على المستوى البدني، يُنصح بارتداء الملابس الدافئة والمناسبة التي تحمي من البرد والمطر. ارتداء طبقات متعددة من الملابس يساهم في الحفاظ على حرارة الجسم.
من الناحية النفسية، ينصح الخبراء في السويد بزيادة النشاط البدني خلال فصل الشتاء، مثل المشي في الهواء الطلق أو ممارسة الرياضات الشتوية، مما يساعد في تحسين المزاج وزيادة مستويات الطاقة.
من النصائح التي يقدمها المعالجون النفسيون للأشخاص الذين يعانون من “الاضطراب العاطفي الموسمي” هي استخدام العلاج بالضوء، وهو نوع من العلاج الذي يتعرض فيه الشخص لأضواء ساطعة لمحاكاة ضوء الشمس الطبيعي، مما يساهم في تحسين حالته النفسية.
أظهرت الدراسات أيضًا أن تبني منظور إيجابي تجاه الثلج يمكن أن يساعد في تعزيز التكيف النفسي، إذ يوصي المتخصصون في السويد بزيادة الوعي حول الفوائد التي يجلبها الثلج مثل تحسين نظافة الهواء وخلق فرص جديدة للنشاط البدني.
تساقط الثلوج في السويد ليس مجرد ظاهرة طبيعية، بل هو جزء من الثقافة والتجربة الحياتية التي تتطلب من الجميع التكيف والاندماج معها. سواء كان الشخص يفرح بتساقط الثلوج أو يراها تحديًا، فإننا بحاجة إلى استعداد بدني وعقلي لتجاوز هذه الفترات من العام. قد يستغرق الأمر وقتًا، ولكن من خلال اتخاذ التدابير المناسبة، يمكن للجميع أن يجدوا طريقة للتعامل مع الثلوج من منظور إيجابي وتحقيق التوازن بين الصحة البدنية والنفسية في ظل هذه الظروف الشتوية.
SWED 24