نشرت صحيفة expressen السويدية، أمس السبت 25 يناير/ كانون الثاني 2025، مقالاً للرأي بقلم الكاتب السوري-السويدي علي العبد الله، منتقداً فيه ما سماه بـ ” النفاق الغربي في الاهتمام بأقليات سوريا “.
وتناول المقال التطورات الأخيرة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مشيراً إلى التحديات التي تواجه سوريا الحرة، إلى جانب الفرص الجديدة التي برزت مع التحول السياسي والاجتماعي.
وحدة الشعب السوري عبر العقود
وقال علي في مقاله: “منذ نشأتي في دمشق، لم أشعر أنا ولا العديد من أبناء بلدي بأي تفرقة بيننا. نحن جميعاً سوريون، بغض النظر عن الخلفية الدينية أو الثقافية. المسلمون، المسيحيون، الأكراد، العرب، الدروز، التركمان، والأرمن – جميعنا تشاركنا المصير ذاته، خلال خمسة عقود من استبداد عائلة الأسد، عانى الشعب السوري بأكمله دون استثناء.
لكن الآن، وبعد تحرير سوريا، بدأت أصوات غربية تتحدث فجأة عن الحاجة إلى حماية الأقليات. هذا الحديث أثار دهشة وإحباط الكثير من السوريين، الذين يتساءلون: “أين كنتم خلال هذه الخمسين سنة؟”
يتساءل آخرون أيضاً: لماذا ينصب التركيز على حقوق الأقليات بدلاً من حق الشعب السوري بأسره في حياة كريمة ومستقبل أفضل؟
خطوات نحو الشمول والعدالة
وأضاف أن “سوريا الحرة تواجه الآن تحديات كبيرة، لكنها تقف أيضاً أمام فرص جديدة لبناء دولة شاملة وعادلة. القيادة السياسية الجديدة اتخذت خطوات مهمة لدمج جميع مكونات المجتمع السوري في العملية السياسية، مع التأكيد على أن الأقليات تُعد جزءاً أساسيّاً من مستقبل سوريا”.
وأوضح أنه “وفي خطوة تاريخية، تم تعيين ميساء صبرين كحاكمة للبنك المركزي السوري، بينما تولت ديانا الأسمر إدارة أكبر مستشفى للأطفال في سوريا. هذه التعيينات تمثل نقلة نوعية، حيث تُظهر التزام القيادة الجديدة بتعزيز الشمولية والعدالة، وإشراك النساء في مناصب قيادية للمرة الأولى منذ عقود.
زيارة وزيري خارجية فرنسا وألمانيا إلى دمشق تثير جدلاً حول حقوق الأقليات
وحول زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك الأخيرة إلى دمشق، قال الكاتب إن الزيارة أثارت ردود فعل متباينة، خصوصاً بسبب تركيزها على حقوق الأقليات، وهو ما اعتبره العديد من السوريين استمراراً لعقلية استعمارية تسعى إلى التقسيم بدلاً من الوحدة.
وقال إن “تصريحات الوزير الفرنسي أعادت إلى الأذهان فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا، التي استمرت 30 عاما، حيث برر الفرنسيون وجودهم آنذاك بحماية الأقليات. اليوم، يرى كثيرون أن الخطاب الغربي يحمل نفس النبرة الاستعلائية، لكنه موجه الآن نحو بلد يحاول التعافي من عقود من القمع والاستبداد”.
“إذا كان هناك من يحمي حقوق الأقليات في سوريا، فهو الشعب السوري نفسه – وليس الغرب”.
النفاق الغربي في المشهد
رغم هذه التطورات الإيجابية، تساءل الكاتب علي العبد الله عن دور الغرب خلال سنوات القمع الطويلة. في ظل حكم نظام الأسد، الذي تسبب في مقتل أكثر من نصف مليون سوري وتشريد الملايين، حيث بقي الغرب صامتاً وغير مبالٍ. وفق تعبير الكاتب.
اليوم، ومع دخول سوريا حقبة جديدة، تتحول أنظار العالم الغربي نحوها، ليس لدعمها بشكل فعّال، بل لتقديم نصائح متعالية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وكتب العبد الله: “السوريون لا يحتاجون إلى هذه النصائح. نحن بحاجة إلى الحرية لتشكيل مستقبل بلدنا بأنفسنا.”
ردود فعل قوية من الداخل السوري
في ردود فعل قوية، انتقدت شخصيات سورية، بمن فيهم مسيحيون، هذا الخطاب الغربي. ريتا بريش، وهي سورية مسيحية، أكدت أن مثل هذه التصريحات تعزز الانقسام بين المسيحيين وبقية الشعب السوري، وتختزلهم إلى مجرد “أقلية بحاجة إلى حماية”، بدلاً من الاعتراف بهم كمواطنين متساوين في الحقوق.
أوضحت بريش أن المسيحيين في سوريا، مثل جميع السوريين، عانوا خلال سنوات الصراع. تعرضوا للاضطهاد والاستغلال والاعتقال، واضطر الكثير منهم إلى مغادرة منازلهم. وقالت: “لا نحتاج إلى حماية من الغرب، بل إلى احترام حقوقنا كمواطنين سوريين بغض النظر عن خلفياتنا”.
إعادة الإعمار بشروط السوريين
أوضح العبد الله أن إعادة إعمار سوريا ستتطلب جهداً كبيراً وصبراً طويلاً، إلى جانب تعاون دولي. لكنه شدد على أن هذه العملية يجب أن تتم وفقاً لشروط السوريين أنفسهم، وليس من خلال فرض أجندات خارجية.
وقال: “ما نحتاجه هو الاحترام، وليس الوصاية. إعادة الإعمار يجب أن تركز على تمكين السوريين من بناء بلدهم كما يريدون.”
سوريا الموحدة: تجاوز الانقسامات
تتحرك سوريا الحرة نحو مستقبل يُعيد تعريف العلاقة بين مكوناتها المختلفة. القيادة الجديدة تسعى لتحقيق العدالة والشمول بعيداً عن الانقسامات التي زرعتها سياسات النظام السابق. وفق ما قاله الكاتب.
وأوضح أن الشعب السوري مستعد للبدء في هذه الرحلة كشعب موحد، وليس كمجموعة من الأقليات المتفرقة.
أهمية الوحدة في المستقبل
سوريا الجديدة تمثل فرصة لتجاوز الماضي المؤلم وبناء وطن قائم على الكرامة والعدالة. الشعب السوري اليوم يطمح إلى مستقبل تُحترم فيه حقوق الجميع دون تمييز أو استثناء.
واختتم العبد الله مقاله بالتأكيد على أن مستقبل سوريا يكمن في يد أبنائها، داعياً إلى بناء دولة تراعي حقوق جميع مواطنيها. هذه المرحلة الجديدة في تاريخ سوريا هي فرصة لتجاوز الماضي القاسي والعمل من أجل وطن شامل وعادل.
بقلم: علي العبد الله – كاتب سوري-سويدي