مقال رأي: تخيل عالمًا يحكمه الذكاء الصناعي، حيث المديرون ليسوا بشرًا بل آلات مبرمجة بخوارزميات معقدة تحكم سير العمل بكفاءة لا تضاهى.
في هذا العالم، تُحسب كل خطوة وكل تأخير عبر نظام إلكتروني دقيق، لا يمكن للعقل البشري تجاوزه أو التفوق عليه.
قد تواجه مشكلة شخصية مثل مرض طفلك أو تأخرك بسبب عطل في المواصلات. تحت ظل الإدارة الآلية، كيف يمكنك شرح وضعك لمدير آلي لا يتعرف إلا على البيانات التي بُرمج بها مسبقًا؟
قد يكون من الأفضل لك أن تعود إلى منزلك مباشرة، فلا مجال هنا للتفاهم الإنساني أو الاستجابة للظروف الطارئة.
تتعدى الآثار المحتملة لهذا التحول الرقمي حدود المكتب لتطال الحياة الأسرية؛ حيث يُمكن أن يكون الشريك حينئذٍ روبوتًا مبرمجًا لاستقبالك بابتسامة باردة مصطنعة بالطبع، وإعداد العشاء دون أي “ثرثرة” تُذكر وتلبية رغباتك دون الحاجة إلى تواصل حقيقي. وماذا عن الأطفال؟
آليون مبرمجون أيضاً لتنفيذ ما ترغب به دون تردد أو نقاش أو عاطفة حقيقية، يمكن تعديل سلوكياتهم وفقًا لما تراه مناسباً ببساطة عبر لوحة التحكم، فهم ليسوا سوى آلات تخضع للشرائح الإلكترونية التي تُزرع في أجسادهم.
هذه الرؤية تثير السؤال الأكبر: هل نحن مستعدون فعلًا لتقبل عالم يُسيطر فيه الذكاء الصناعي على كل شيء بما في ذلك القيم الإنسانية والوعي الذاتي للأفراد؟ هل هذه هي الحياة التي نطمح إليها حقًا؟
غزو مستمر
في عصر الذكاء الصناعي الذي نعيشه اليوم، بدأت هذه التقنيات تغزو كل جانب من جوانب حياتنا، بسرعة مذهلة. الآلات التي تعمل بلا توقف، قد تُثير إعجابنا بكفاءتها وقدرتها على أداء المهام لساعات طويلة دون شكوى، هي مفيدة بالتأكيد لقطاعات معينة.
لكن في الوقت نفسه، تُثير تساؤلات حول الانعكاسات المحتملة لهذه التقنية على الطبيعة الإنسانية، إذ ما تم المبالغة في استخدامها أو محاولة استبدالها بالبشر.
الروبوتات، مهما كانت متقدمة، تفتقر إلى الوعي والإدراك الذي يميز البشر. تعزيز الاعتماد على الذكاء الصناعي قد يقود إلى تهميش الذكاء الفطري والإبداع الإنساني. نحن نقف على أعتاب عصر قد يُعيد تشكيل حدود الإنسانية نفسها، متسائلين: هل نحن مستعدون للتخلي عن بعض جوهرنا الإنساني مقابل الكفاءة والأداء؟
أفلام الخيال العلمي طالما قدمت تصورات لمثل هذه العوالم، وربما يكون “The Matrix” هو الأبرز بينها. يُظهر الفيلم كيف يمكن للآلات التي خُلقت لخدمة الإنسان أن تنقلب وتهيمن عليه، محولةً البشر إلى مجرد مصادر طاقة في واقع مُفبرك.
هذه الرؤى، مع أنها خيالية، تُلقي الضوء على مخاطر محتملة قد لا نرغب في مواجهتها حقًا.
هنا، يجب أن نتساءل عن الثمن الذي قد ندفعه مقابل تقدم التكنولوجيا. هل نحن مستعدون لتبعات عالم يُحكم بالكامل بالأسلاك والشرائح الإلكترونية، والذي قد يفقد فيه الإنسان مكانته ككائن فكري ومبدع؟
يتعين علينا أن نفكر بعمق في كيفية توظيفنا للذكاء الصناعي والحدود التي يجب أن نضعها لضمان أن تظل التكنولوجيا خادمًا للإنسان، وليس العكس. فالتقدم التكنولوجي، مهما كان مذهلاً، يجب ألا يأتي على حساب القيم والمبادئ الإنسانية التي تُعتبر جوهر وجودنا.
لينا سياوش
مقالات الرأي تُعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24