مع غروب شمس آخر أيام شهر صفر، تنتشر في شوارع العراق، وخاصة العاصمة بغداد، مشاهد وتقاليد قد تبدو غريبة للناظر، لكنها تحمل في طياتها تاريخًا من المعتقدات الشعبية الموروثة.
فعلى وقع أصوات تحطم الأواني الفخارية، وتصاعد أدخنة المكانس المحترقة، يُودّع العراقيون شهرًا يعتبرونه “فترة نحس” بحسب معتقداتهم، ليستقبلوا شهر ربيع الأول بأجواء من الفرح والتفاؤل.
طقوس موروثة تُحييها الأجيال
تقول الحاجة أم زيد، وهي سيدة سبعينية تحرص على إحياء هذه التقاليد، إنها ورثت عادات كسر الصحون وحرق المكانس عن جدّاتها، وأنها تمارسها “لطرد الشر والنحس” الذي يخيم على البيوت طوال شهر صفر.
وتضيف أم زيد وهي تبتسم: “ما أن ينتهي صفر حتى نتنفس الصعداء، ونعود إلى حياتنا الطبيعية ونحمد الله أنه مرّ بسلام”.
حياة متوقفة في انتظار “ربيع الأول”
ولا تقتصر تأثيرات هذه المعتقدات على الطقوس الفردية، بل تمتد لتُعطّل مناحي الحياة في العراق، حيث يتجنب الكثيرون إبرام الصفقات الهامة أو إقامة حفلات الزفاف خلال هذا الشهر تفاؤلاً بقدوم “الحظ السعيد” مع بداية ربيع الأول.
يقول أبو مهدي، الذي يستعد لاحتفال زفاف ابنه مع بداية الشهر الجديد: “كنا ننوي إقامة الزفاف قبل شهرين، لكن تقاليدنا تمنعنا من الاحتفال في شهري محرم وصفر.”
أصول تاريخية بعيدة عن الدين
وعلى الرغم من تشبث العراقيين بتلك التقاليد، إلا أن مختصين في التراث والتاريخ الإسلامي، يؤكدون أنها لا تمت بصلة للشرع أو العقيدة.
ويُرجّح الإعلامي المتخصص في شؤون التراث محمد خليل التميمي أن هذه العادات “ضاربة في عمق التاريخ”، وربما ارتبطت بأحداث تاريخية قديمة، أو معتقدات شعوب سكنت المنطقة قبل الإسلام.
ويضيف التميمي: “يرى البعض أن هذه الطقوس جاءت مع الهجرات التي قدمت من الجزيرة العربية، حيث ارتبطت بيوم وفاة الرسول محمد، الذي يصادف 28 من شهر صفر.”
بين التاريخ والمعتقدات.. طقوس تقاوم النسيان
وبينما يُحاول البعض التخلص من هذه المعتقدات التي يصفونها بـ”الخرافات” ، إلا أنها لاتزال تجسد جزءًا من الهوية والموروث الشعبي للعراقيين، وتُشكّل طقوسًا سنوية ينتظرونها بفارغ الصبر للتعبير عن الفرح وتجديد الأمل بغد أفضل.