في عالمٍ تهيمن عليه صورةُ دولٍ مثل الولايات المتحدة كموطنٍ للثروات الضخمة، تبرز السويد كحالةٍ استثنائيةٍ تُثير الحيرة. بلدٌ ذو ضرائب مرتفعة، يُعرف بسياساته الاجتماعية السخية، يتفوق على الولايات المتحدة في عدد أصحاب المليارات بالنسبة لعدد السكان.
كيف لهذه المفارقة أن تتحقق؟ كيف لبيئةٍ تُثقل كاهل الأغنياء بالضرائب أن تُصبح حاضنةً للثروات الهائلة؟ يحاول الكاتب والإعلامي كريس بلاكْهَيرْست سرد الأسباب التي تجيب عن هذه التساؤلات التي تشغل بال الكثيرين.
“سبوتيفاي”: رمزٌ للنجاح ولكنه ليس القصة كاملة
تُسلّط الأضواء على “سبوتيفاي”، الشركة التكنولوجية العملاقة التي أسسها دانيال إيك ومارتن لورنتزون، واللذان انضما إلى قائمة أصحاب المليارات بفضل نجاح شركتهما العالمي، كرمزٍ لنجاح السويد في جذب رواد الأعمال والمُبدعين. لكن قصة السويد تتجاوز مجرد ازدهار قطاع التكنولوجيا.
لا تُمثّل “سبوتيفاي” سوى غيضٍ من فيض. فالسويد تُقدم نموذجًا فريدًا يُركز على الاستدامة والتأثير الاجتماعي، متجذرٌ في إرثٍ عريقٍ من النجاح التجاري.
تميل الشركات السويدية العريقة، مثل “أتش أند أم” و”أيكيا” و “تيترا- لافال”، إلى البقاء تحت إدارة عائلية لفترات طويلة، مُركزّةً على النمو المستدام بدلاً من البيع السريع أو السعي وراء الربح السريع.
السر في الاستمرارية: الرؤية بعيدة المدى و الوفاء للجذور
يُمكن تفسير هذا التركيز على الاستمرارية من خلال قيم مجتمعية راسخة في الثقافة السويدية. يُقدّر السويديون الإرث والتقاليد، ويُدركون أهمية بناء مشاريع تستمر لأجيالٍ، مُساهمةً في ازدهار المجتمع ككل.
مواهب محلية وبيئة تعاونية تُحفز على الإبداع
لا يقتصر الأمر على الشركات الكبرى. فالسويد تزخر بمواهب شابة تُغذي بيئةً تعاونيةً تُحفز على الابتكار.
تُشجع ثقافة التعاون السائدة على تبادل الخبرات ودعم رواد الأعمال الناشئين، مما يخلق بيئةً خصبةً لنمو شركاتٍ جديدةٍ وواعدةٍ.
مفارقة الضرائب: كيف تُوازن السويد بين العدالة والازدهار؟
تُطبّق السويد ضرائب دخلٍ مرتفعةً، لكنّها تُخفف من وطأتها على الأثرياء من خلال إلغاء ضرائب الميراث والثروة وتخفيض الرسوم على أرباح الأسهم.
تُدرك الحكومة السويدية أنَّ التشدد الضريبي قد يؤدي إلى هجرة رؤوس الأموال، فتُقدم تنازلاتٍ ذكيةً من أجل استمرار الازدهار الاقتصادي.
الاستثمار في مستقبل أفضل: الشركات ذات الأثر الاجتماعي في الصدارة
يُولي المستثمرون السويديون أهميةً كبيرةً لدعم الشركات ذات الأثر الاجتماعي الإيجابي، مما يُساهم في ازدهارها ويُعزز من جاذبية السويد كوجهةٍ للاستثمار.
السوق الصغيرة كمنصة انطلاق نحو العالمية: التحدي يُصبح فرصةً
يُجبر صغر حجم السوق المحلية الشركات السويدية على التوجه نحو العالمية منذ البداية، مما يُعزز من قدرتها التنافسية ويُمكنها من تحقيق النجاح على نطاقٍ أوسع.
نمط حياةٍ مُلهم: التوازن بين العمل والحياة في قلب النجاح
وأخيرًا، لا يُمكن إغفال نمط الحياة المُريح الذي تُقدمه السويد، من خلال جمالها الطبيعي، وتوافر الخدمات عالية الجودة، وانخفاض معدلات الجريمة. تُقدم السويد بيئةً تُشجع على التوازن بين العمل والحياة، مما يُشكل عامل جذبٍ إضافي للأفراد الموهوبين والمُبدعين.
تُثبت السويد أنَّ تحقيق الازدهار الاقتصادي وجذب أصحاب الثروات لا يتعارض مع العدالة الاجتماعية أو الاستقرار، بل يُمكن أن يكونا وجهين للعملة نفسها تُجسد نموذجًا مُلهمًا للنجاح.
المصدر: اندبندنت عربية