رأي/ مع كل دقة للساعة تعلن عن ولادة عام جديد، يبدو الزمن وكأنه قطار مترو الأنفاق، يمضي سريعاً ولا يتوقف إلا لتحرير ركابه عند محطاتهم. كل محطة تحمل حكاية جديدة، وجوهاً تلمع بالأحلام أو تنطفئ بالأوجاع. وفي خضم هذه الرحلة، نعيش كأنما أعمارنا تنساب من بين أيدينا، دون فرصة للتوقف أو العودة.
كان عام 2024 شاهداً على أحداث كبرى، عاصفاً بتحولاته التي طالت السياسة والاقتصاد والعلاقات الإنسانية. عالم يتأرجح بين لحظات انتصار عابرة وانكسارات موجعة، بين تقدم التكنولوجيا وابتعاد البشر عن بعضهم. في هذا الزخم، يبدو وكأننا نركض خلف السعادة، متسائلين: هل هي في ماضٍ تركناه؟ أم في مستقبل لم نصل إليه بعد؟ لكن الحقيقة أن السعادة ليست وعداً مؤجلاً، ولا ذكرى نستعيدها، بل هي اللحظة التي نعيشها الآن بكل حب وأمل.
أحياناً نجد أنفسنا محاصرين في واقع كثيف وأحداث متلاحقة، كأننا وسط إعصار قوي، كل شيء يدور حولنا بعنف، بلا قرار منا أو قدرة على التغيير. لكن وسط هذا العصف، هناك لحظة هدوء داخل الإعصار نفسه، لحظة تجبرنا على الصبر والتفكير. عندها، لا يكون أمامنا سوى الانتظار، التسلح بالأمل، والإيمان بأن الإعصار سيهدأ، وسنجد أنفسنا مجدداً على بر الأمان.
ما يجعلنا نصمد أمام أمواج الحياة المتلاطمة هو الأمل. ذلك النور الذي يرشدنا وسط الطرق المتشابكة، ويمنحنا القدرة على المضي قدماً رغم التعقيدات. لولا فسحة الأمل لتحولت أيامنا إلى فوضى لا نعرف فيها الحابل من النابل. “فيّ أمل؟ إي فيّ أمل… أوقات بيطلع من ضجر”، تصدح فيروز، إذ قد يُزهر الأمل من قلب الملل واليأس.
العام الجديد ليس مجرد تبدل في الأرقام، بل هو فرصة حقيقية لننظر في المرآة ونسأل أنفسنا: ماذا تعلمنا؟
حياتنا أشبه بنغمة موسيقية تتراقص على أوتار الكمان، تطلق ألحاناً تروي حكاياتنا. أحياناً تكون هذه الألحان سعيدة، وأحياناً أخرى حزينة، لكنها دائماً فريدة، تُشكّل لحناً خاصاً لكل واحد منا. ومع تعقيد الحياة وغموضها، نجد أنفسنا غارقين في الأسئلة والتفكير. هذا الإرهاق يسرق أحياناً لذة اللحظة، لكننا حين نبتعد قليلاً عن كل ذلك، ندرك أن الحياة، رغم تعقيدها، تحمل دائماً جمالاً في تفاصيلها الصغيرة.
العام الجديد ليس مجرد تبدل في الأرقام، بل هو فرصة حقيقية لننظر في المرآة ونسأل أنفسنا: ماذا تعلمنا؟ وكيف يمكننا أن نصبح أفضل؟ إنه وقت لتجديد الخبرات، وتعزيز معارفنا، وإعادة اكتشاف القوة الكامنة في أعماقنا. هو فرصة لنعيش اللحظة بشغف، نغرس بذور الأمل في كل يوم، ونسقيها بالإيمان بذواتنا.
أن تكون قلوبنا قادرة على النبض بالحب والنظر نحو أفق مُضي، وسط هذا الكم الكبير من المصاعب، هو حرفة الناس المبدعين، الذين خبزتهم الحياة بتجاربها وجعلتهم على الحب قادرين في كل الأوقات.
ليس علينا ان نخشى تعقيدات الحياة، بل أن نواجهها بنقاء النوايا ومحبة الآخرين. ففي كل محطة من محطات العمر هناك درس ينتظرنا، ووجه مبتسم ينتظر مشاركتنا في الرحلة. قطار الحياة سريع، لكنه لا يفقد جمال الرحلة إلا لمن يغفل عن سحر اللحظة. كل لحظة هي حياة بحد ذاتها، بحلوها ومرها، وكل عام هو فرصة جديدة لنروي دروبنا ودروب من نحب بالأمل والنور.
لنكن في 2025 صانعي الأمل. لنكن أكثر وعياً، أكثر إنسانية، وأكثر إيماناً بأن السعادة ليست في البدايات أو النهايات، بل في الرحلة نفسها.
لينا سياوش
مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24