مقال رأي: دار حديث شيق بيني وبين صديق مقرب. طرح الصديق موضوعًا ممتعًا حول كيف تعكس قصائد أغاني الغزل الثقافة المحلية للشعوب.
كان النقاش شيقاً حقًا ونحن نردد كلمات أغنية للفنان العراقي الجميل رضا العبدالله “منين أبوسك”. يخاطب رضا في الأغنية حبيبته التي تبعد عنه مسافة بحر، لكنه يتحدى تلك المسافة، قائلاً لها: “لو مية (مائة) بحر لا أجيك سَبّاح”.
هذه الكلمات، تبرز الطريقة العراقية الملحمية في التعبير عن الحب، حيث لا يتردد العاشق في وصف استعداده لقطع مائة بحر سباحة للوصول إلى محبوبته. تعبير مجازي، يُعبر عن الشوق العميق والاستعداد للتغلب على أي عقبات من أجل الحبيب، الشغف الذي يميز الغزل في الأغاني العراقية.
في المقابل، تخيلنا كيف سيتلقى السويديون مثل هذه الكلمات، هل كانوا سيفهونها بالأصل على أنها غزل وتعبير رومانسي أم كانوا سيقفون عندها ويعتبرونها كلمات لا تحاكي الواقع بسبب التحديات الجغرافية الواضحة؟
الأغاني السويدية، التي تميل لتصوير الحب بكلمات تتسم بالهدوء والبساطة، كثيرًا ما تستخدم مقارنات تحاكي الطبيعة مثل جمال الشمس في منتصف الصيف أو فرحتهم بشروقها في أوقات غير منتظرة أو نضارة الفراولة الحمراء في شهر حزيران.
تقول ماريا فريدريكسون في أغنيتها “Ännu Doftar Kärlek – ما يزال الحب فوّاحاً”: “أتمنى لو انك موجود عندما تشرق الشمس… عندما يصبح الليل نهاراً… هل تريدني حينها؟…”
الشعر والغناء مستوحيان من ثقافة الشعوب وطبائعها وعاداتها وتقاليدها، فأن يخاطب سويدي حبيبته بأنها تشبه شمس منتصف الصيف، سيكون مؤثراً بما فيه الكفاية لأحمرار خدّي حبيبته، لكن التشبيه نفسه سيكون كارثياً بالنسبة لشعب تزيد درجات الحرارة عنده في فصل الصيف عن الخمسين مئوية، عندها سيكون هذا الحب حارقاً كالنار، ولا يمكن اعتبار ذلك غزلاً بأي شكل من الإشكال.
حبيبة السويدي والفراولة
يمكن أن يُشبه السويدي حبيبته بالفراولة الناضجة، لطعمها الشهي وشكلها الأحمر الجميل، وبالتأكيد ليس لشكلها المخروطي القصير، لكن مقابل ذلك لن يكون من الذكاء أن يُشبه العراقي حبيبته بالبطيخ (الركي باللهجة العراقية) رغم أنها هي الأخرى حمراء، لأنه في هذه الحالة سيسيء الى حبيبته وهو يشبهها بشيء مدور سمين رغم حلاوة طعمه.
الشعوب التي تعيش رفاهية اجتماعية وأماناً راسخاً تميل الى البساطة والواقعية في تعبيرها عن مشاعرها، سواء أكان ذلك متمثلاً في الكلام المحكي أو في الشعر والأغاني، وعلى العكس من ذلك تستخدم الشعوب التي تعيش نزاعات مستمرة وعدم استقرار في كلامها مفردات تنم عن مبالغة كلامية حماسية جيّاشة، تمنح المرء شعوراً وكأنه في معركة، ويظهر ذلك جلياً في الكلام بين الناس والأدب بجميع أنواعه، ولن ننسى ايضاً الموشحات الدينية.
إختلاف رؤيتنا للأشياء يحدد طريقة تفكيرنا وقياساتنا للأمور من حولنا وبالتالي بالكيفية التي نعبر فيها عن مشاعرنا. فربما ينظر شخصان من ثقافتين مختلفتين للشيء نفسه، لكن يصفه كل منهما بطريقة مختلفة.
الأغنية العراقية والبيئة المشحونة بالعواطف
الأغاني العراقية، التي تنبع من بيئة مشحونة بالعواطف والتاريخ والخسارة والحرمان والحزن والأسى وبالتأكيد الفرح في مرات قليلة، تميل إلى استخدام الصور اللغوية القوية والمعبرة، ولهذا تميزت الأغنية العراقية بجدارة بين مثيلاتها العربية في المنطقة. في السويد، ينعكس الأستقرار المدني والتنظيم في المجتمع في أغانيهم الغنائية التي تقدم الحب بطريقة هادئة وخفيفة. هذا النوع من الغناء له عالمه الخاص.
هذه ليست مقارنة بين نوعين مختلفين تماماً من الغناء، بقدر ما هي تأملات في اختلاف ثقافات شعوب العالم، وكيف يمكن للموسيقى على اختلاف ألوانها وعناوينها أن تكون نافذة لفهم الثقافات المختلفة، كما يمكن للكلمات أن تجسد عوالم ثقافية متنوعة، مما يتيح لنا فهمًا أعمق للمشاعر الإنسانية التي تشترك فيها الشعوب على اختلافها.
في نهاية الأمر، سواء قررت الغناء لحبيبتك بأنها شمسك الدافئة أو فراولتك الحلوة، تذكر، الأهم هو أن تُغني من القلب. ومن يدري؟ ربما يوماً ما سنجد مهرجاناً يجمع بين الغزل العراقي الحماسي والنقاء السويدي الصافي حتى نتمكن جميعاً من الغناء عبر البحار، معاً ولكن بأمان من أرض الواقع.
لينا سياوش
مقالات الرأي تُعبر عن رأي كُتابها، وليس بالضرورة عن SWED 24