SWED 24: تحل اليوم، 30 كانون الثاني/ يناير، ذكرى اغتيال المهاتما غاندي، الزعيم الروحي للهند وأيقونة النضال السلمي الذي قاد بلاده نحو الاستقلال من دون أن يرفع سلاحًا أو يريق قطرة دم. رغم مرور أكثر من سبعة عقود على اغتياله، لا يزال غاندي رمزاً خالداً للسلام، وحكمته تلهم الملايين حول العالم، خاصة مقولته الشهيرة: “العين بالعين ستجعل العالم بأسره أعمى”، التي لخص بها فلسفته في اللاعنف، مؤكداً أن الانتقام لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار.
وُلد موهانداس كرمشاند غاندي عام 1869 في ولاية غوجارات الهندية لعائلة محافظة، لكنه سرعان ما كسر القيود التقليدية، وسافر إلى لندن لدراسة القانون. بدأ وعيه السياسي بالتشكل أثناء عمله في جنوب إفريقيا، حيث واجه تمييزًا عنصرياً قاسياً ضد الهنود والمجتمعات غير الأوروبية، ما دفعه إلى تبني نهج المقاومة السلمية الذي أسماه “ساتياغراها”، أو “قوة الحقيقة”. ومنذ ذلك الحين، لم يكن النضال في نظره معركة بالسلاح، بل مواجهة بالمبادئ والصبر والإرادة.
قاد غاندي عدة حملات عصيان مدني ضد الحكم البريطاني، كان أبرزها مسيرة الملح عام 1930، حيث سار لمسافة 385 كيلومتراً احتجاجاً على احتكار البريطانيين لتجارة الملح. هذا التحرك أثار انتباه العالم، وأصبح نقطة تحول في النضال الهندي من أجل الاستقلال، حيث أظهر كيف يمكن للمقاومة السلمية أن تهزم أقوى إمبراطورية في العالم آنذاك.
الزهد في الحياة
لم يكن غاندي زعيماً سياسياً فحسب، بل كان فيلسوفًا في الحياة، حيث سعى إلى التغلب على رغباته الشخصية ومارس الزهد في كل شيء. عاش حياة بسيطة، اكتفى بارتداء ملابس مصنوعة يدويًا، امتنع عن الطعام الفاخر، ومارس الصيام بانتظام، ليس فقط كوسيلة روحية، ولكن أيضاً كأداة احتجاج سياسي ضد القمع والظلم.
بعد استقلال الهند عام 1947، شهدت البلاد انقسامات طائفية حادة أدت إلى تقسيمها إلى الهند وباكستان، ما تسبب في موجة عنف بين الهندوس والمسلمين. سعى غاندي لإحلال السلام، ودعا إلى الوحدة بين الطوائف المختلفة، وهو ما أثار غضب القوميين الهندوس، الذين اعتبروا مواقفه متساهلة جداً تجاه المسلمين.
في 30 يناير 1948، بينما كان غاندي متجهًا لأداء صلاة مسائية في نيودلهي، اقترب منه ناتهورام غودسي، أحد القوميين الهندوس المتطرفين، وأطلق عليه ثلاث رصاصات قاتلة. سقط غاندي أرضاً، وكان آخر ما نطق به “يا إلهي”، وكأن كلماته الأخيرة كانت دعوة للسلام، حتى في لحظة رحيله.
اغتيال غاندي لم يكن مجرد جريمة قتل، بل كان محاولة لإسكات صوت السلام في عالم يملؤه الصراع. غير أن أفكاره لم تمت، بل انتشرت عالميًا وألهمت قادة مثل مارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا في نضالهم ضد العنصرية والظلم.
رغم أن فلسفة اللاعنف التي نادى بها غاندي تبدو اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، إلا أن العالم لا يزال يرزح تحت الحروب والصراعات. ويبقى السؤال: هل يتعلم البشر من دروس التاريخ؟ أم أننا سنعيش في دوامة الانتقام إلى أن نصبح جميعًا عميانًا، كما حذر غاندي ذات يوم؟