قال القاص والكاتب العراقي عبد الرضا المادح المقيم في السويد إن واقع العراقيين في المهجر لا يسر كثيراً، فالتمزق في صفوفهم واضح، وذلك لأسباب فكرية – سياسية وإثنية وطائفية، وما يجري في الساحة العراقية من صراعات يجد صداه بين المثقفين في المهجر”.
وتحدث المادح في لقاء مع SWED 24 عن الانطباعات التي تركتها عودته الى العراق بعد الغزو الأمريكي، وعن مجموعتين قصصيتين صدرتا له.
نص الحوار
كونك قاصاً وكاتباً ولك تاريخ سياسي قديم، كيف تصف لنا تجربة عودتك للعراق ومن ثم العودة للسويد؟ هل لا يتسع العراق الحالي للطاقات العراقية والأكاديمية الموجودة في الخارج؟
بعد سقوط نظام البعث في نيسان عام 2003، تفجرت في قلبي مشاعر الحنين للقاء الأهل بعد غياب دام ربع قرن ! تلك المشاعر لم تستطع صحراء الغربة القاحلة أن تجففها، سافرت بعد أربعة أشهر من ستوكهولم إلى عُمان ثم أستأجرت سيارة مباشرة إلى بغداد، عند دخولي الأراضي العراقية، كانت لي رغبة بتقبيل تربة الوطن، ولكن مشهد جنود الاحتلال أمامي وهم يدنسون أرض العراق، صدمني وجعلني أتراجع عن رغبتي، لتفور في صدري مشاعر الغضب !
أجتزنا الصحراء الغربية حتى بغداد دون توقف، فهذه المسافة كانت خطيرة ففيها جرت أعمال خطف وقتل، في بغداد التقيت أخي كاظم القادم من البصرة لاستقبالي، أما في البصرة فكان استقبالي عرساً حقيقياً، الأهل وأبناء المنطقة والأصدقاء القدامى الذين توافدوا من مناطق مختلفة، الهلاهل وكلمات الترحيب الممزوجة بدموع الفرح، أعادت لي بعض من روحي التي كادت أن تختنق بعواصف الفترة المظلمة، ” هاي فرحة وبعد فرحة واليحب يفرح ويانه ” الأهزوجة الشعبية التي كانت ترددها في الأفراح، الوالدة الحنون مع صديقة عمرها وجارتنا العمة أم قاسم، لم أسمعها منهن بين جدران بيتنا العتيق، فرحيلهن الأبدي ترك جرحاً لا يندمل …!
أدركت وعايشت منذ الأيام الأولى، الخراب الروحي وخراب الوعي العام لدى الأنسان العراقي، الفترة المظلمة والحروب والحصار الجائر، خلقت الجوع ومزقت أرواح الناس، وخربت جزء كبير من التقاليد الجميلة، ناهيك عن خراب البيئة والمدن، ولم تنفع دموعي في غسل التراب المتراكم على تمثال الشاعر الكبير بدر شاكر السياب…! كما وثقت بالصور الكثير من المناظر المحزنة لخراب البصرة…!
“من الصعب العيش في بيئة يهيمن عليها التزمت الديني والطائفي”
في سفرات لاحقة واهمها سفرة دامت بين عامي 2008 – 2014 حيث عشت في البصرة، فعايشت الواقع المر الذي يعكس حجم الخراب…! فأيقنت أنه من الصعب على إنسان، عاش لسنين طويلة في بلدان أخرى ذات ثقافات وحضارات عصرية، أن يرجع ليعيش في بيئة مدمرة، هيمن عليها التزمت الديني والطائفي، فالإنسان العراقي لم يعد ذاك الذي عرفناه في سبعينات القرن الماضي، فالظروف القاسية التي طحنت الناس، جعلت منهم أنانيين ولا يتقبلون بسهولة إنسان عاد من المهجر، فهم يعتبرون المغتربين تركوا الوطن ليعيشوا برغد، وبنظرهم أن جميع المغتربين أثرياء، وعادوا ليزاحمونهم على عيشتهم ؟! فليس من السهل للمغترب الحصول على عمل والبطالة تفترس الشباب والمناصب محتكرة للأحزاب، ومن يحصل على عمل ويحمل ثقافة تنويرية، قد يكون هدفاً لميليشيات الأحزاب المتسلطة، وهذا ما حصل للعديد من المثقفين الذين عادوا للوطن وغاب أثرهم ؟! طبعا هناك من توفرت له أسباب البقاء ولكنهم قلة …!ّ
لديك مجموعتين قصصيتين لكنك توقفت عن النشر لماذا؟
معايشتي ومشاهداتي لحالات أنسانية مؤلمة، دفعتني لأكتب قصص قصيرة واقعية، علماً أني بدأت كتابة القصة منذ منتصف عام 1983، واستثمرت فترة وجودي في البصرة، لأكمل مجموعتين قصصيتين، الأولى ( درب التبـّانة ) صدرت عام 2010 والثانية ( احزان القمر) نهاية عام 2013 ، ولا حقاً استمريت بنشر القصص والقصائد والمقالات والبوسترات، في الصحافة والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي.
كيف تصف تاثير المثقفين العراقيين في السويد على واقع الجالية العراقية؟
للأسف أرى أن واقع العراقيين في المهجر لا يسر كثيراً، فالتمزق في صفوفهم واضح، وذلك لأسباب فكرية – سياسية وإثنية وطائفية، وما يجري في الساحة العراقية من صراعات يجد صداه بين المثقفين في المهجر…! ولذا تجد كثرة الجمعيات والنوادي والحسينيات، وهي قابلة للانشطار تحت تأثير البحث عن الزعامة والمصالح، والكل يعزف على ليلاه وليلى العراق منسية…!
ولا بد من الاشارة لتجربتين إيجابيتين زرعتا شيء من الأمل في توحيد العراقيين، وهما تجربة تأسيس ” المركز الثقافي العراقي في السويد” بأشراف وتمويل وزارة الثقافة العراقية، والذي أستطاع أن يقدم نشاطات جيدة، ولكن للأسف تم أغلاقه بعد فترة قصيرة بسبب الأزمة المالية …؟! وتجربة ” أتحاد الجمعيات العراقية في السويد ” الذي هو الآخر انحسر نشاطه…؟!
كما لابد من ذكر الدور الإيجابي لانتفاضة تشرين، التي وحدت العراقيين في المهجر بشكل عفوي، فقاموا بنشاطات كبيرة لدعم أبناء شعبنا المنتفضين، ولكن للأسف عاد الانحسار مع خفوت الهبة الجماهيرية …!ويبقى العراق صاحب الحضارات العريقة، كطائر العنقاء لابد أن ينهض من تحت الرماد …!