هل بالضرورة الموت مخيف؟ أم عدم المعرفة بما يحدث بعد ذلك هي التي تخيفنا؟ ماذا لو كانت الجنة هي ما نعيشه على الأرض الآن؟
الموت هو من أكثر المواضيع التي تؤرق عقل الإنسان وتجعله حائراً بأمره، ورغم أن الدين والعلم متعاكسان تماماً في آرائهما حول ما يحدث بعد الموت، فإنه ولا يزال الشغل الشاغل حتى لأكثر الناس تديناً بالدين أو إيمانا بالعلم.
روايات كثيرة تناولت فكرة الموت وصورته بأشكال مختلفة، لكنها في النهاية لم تتمكن من الوصول الى فكرة أكيدة أو فهم يُسهل على الإنسان إدراك أنه ضيف في هذه الحياة، التي مهما طال أمدها فهي ليست في نهاية المطاف غير حلم سرعان ما يفيق منه في جهة ثانية أو لا يفيق أبداً.
يتبع السويديون تقليداً جميلاً في استعدادهم للموت، يطلقون عليه “Döstädning – تنظيف ما قبل الموت”، فالشخص الذين يتم ابلاغه بأنه لم يتبق له الكثير في هذه الحياة، في الغالب بسبب المرض أو ما شابه ذلك أو حتى الأصحاء منهم في خريف العمر، يقومون بتنظيم أمورهم في المنزل وفرز ممتلكاتهم، وتصفية ما لا يريدونه أو ما يريدون إهداءه بأنفسهم إلى أعزاء لهم قبل أن توافيهم المنية، ربما بشكل مفاجىء وعلى غفلة من أمرهم.
الكثير منهم يرون في ذلك متعة، بالتأكيد المتعة ليست في الموت، فالجميع يريد أن ينعم بالمزيد من سنوات العمر، لكن المتعة في أن الشخص نفسه هو من يتولى ترتيب أموره والتخلص مما ليس هناك حاجة إليه، والفكرة في الموضوع هو تحمل المسؤولية حتى آخر لحظة من الحياة وعدم تركها على أفراد العائلة والأصدقاء.
رحلة على عالم مجهول
هم يحضرون للموت، وكأنهم راحلون الى حياة أخرى أو أرض أخرى ربما ليس بالمعنى الديني لها، بل كل حسب آرائه ومعتقداته. السويديون في الغالب مع فكرة التحلل البكتيري للجسد، وأن ذلك يخلف حياة جديدة قد تتمثل في نمو زهرة او شجيرة، ولادة جديدة بشكل آخر، تُغني الدورة الطبيعية للحياة.
تقول الكاتبة السويدية، مارغريتا ماغنوسون، وهي في أواخر عقدها الثامن في كتابها ” Döstädning: ingen sorglig historia- التنظيف قبل الموت ليس قصة حزينة”، الصادر في عام 2017، والذي لاقى رواجاً كبيراً جداً في نحو 32 بلداً، وأصبح الكتاب الأكثر مبيعاً، تقول إن عملية التنظيف قبل الموت تخدم غرضين ساميين، الأول هو أن المرء يصبح أقل خوفاً من فكرة الموت، وأن لا تنسى أبداً أنه بعد وفاتك، وبغض النظر عن تقدمك في العمر، سوف تكتشف دائماً شيئاً جديداً وتجد طرقاً جديدة للنظر الى الأشياء، أنها تلك الحياة التي عشتها والتجارب التي مررت بها.
تصوروا أن حياتنا ليست سوى قطار يمضي بطريقه ماراً بمحطات عدة، بالضبط كما يصفه الأدب، وأن الموت ليس غير عربة في قطار الحياة نفسه لكنها آخر عربة في القطار، وممنوع على الركاب في عربات الحياة الاختلاط مع الركاب في عربة الموت، بل يمكنهم التواصل الروحي مع بعضهم إن شاءوا ذلك.
النتيجة ستكون، هي أن الأحياء والأموات يسيرون في نفس الطريق، كل ما في الأمر أننا نجلس في عربات مختلفة، الفكرة هذه تجعلنا أكثر قبولاً بأن الموت معنا في كل وقت وكل حين.
لا أحد جاء إلينا من بلاد الأموات، ليحدثنا عما يجري هناك، تُرك كل شيء للخيال والأحلام والتأويلات والقصص. الحقيقة الثابتة في الأمر أن الموت أمر لا بد منه ما دام هناك ولادة. وأنه قد لا يكون مخيفاً بالشكل الذي يتصوره الإنسان سواءً أكان مؤمناً أو غير ذلك، فالمؤمن الصالح يحلم بمساحات خضراء واسعة، يشق هدوءها ينابيع المياه العذبة وزقزقة العصافير، وغير المؤمن يفكر في أن جثته ستتحلل وتتحول إلى حياة جديدة بشكل آخر، والحالتين ساحرتين من حيث المعنى ولا يتحققان إلا بفهم الإنسان لدوره على الأرض وتعميق علاقته بالموت كنقطة تحول الى مرحلة أخرى ربما تكون أجمل.
شيء إيجابي تضيف إلينا الحياة في السويد، أن تقبلنا للأمور الفلسفية التي ربما كنا نتصورها كارثية، كالموت مثلاً تصبح أكثر يسراً وفهماً، ربما يعود ذلك الى الهدوء فوق العادي الذي نعيشه، الذي يقربنا أكثر من طبيعتنا الإنسانية وحقيقة وجودنا على الأرض أو الى طبيعة الطقس نفسه، التي تُقسي الإنسان وتجعله أكثر إستعداداً لمواجهة الشدائد وتقبلها.
تقول مارغريتا ماغنوسون بأسلوب ساخر لكن بعمق وفهم واسعين، أنها لا ترغب في كتابة كتاب كثير الصفحات عن الموت، فكبار السن لا يريدون قراءة 400 صفحة، إذ ربما لا يعيشون كل هذه المدة حتى يكملوا الكتاب.
لينا سياوش
مقالات الرأي تُعبر عن رأي كُتابها وليس بالضرورة عن SWED 24