مقال رأي/ في عالم يعج بالتقلبات، تبرز الديانات كأنظمة اجتماعية مؤثرة، تقع في الكثير من الأحيان أسيرة لألاعيب السياسة وقادتها ومآربهم الخاصة.
ينادي الفلاسفة والمفكرون على مر العصور بأن الجهل والتخلف هما الوقود الذي تستخدمه الأيادي الخفية لتدجين الشعوب وتسهيل السيطرة عليها.
يصف جورج أورويل، في رائعته “1984”، كيف يمكن تزييف الواقع بإعادة كتابة التاريخ لخدمة أغراض الدولة الأيديولوجية، محذراً من أن السيطرة على الماضي (والدين بامتداده) هو في الحقيقة سيطرة على المستقبل. الدين، حين يُستخدم كأداة، يمكن أن يتحول إلى سلاح ذي حدين، يُزرع في يد من لا يخافون استخدامه لأهداف مدمرة.
يولد الإنسان عارياً. ليس فقط من ملابسه، بل من أي فكرة أو قيمة أو مبدأ. بعدها يبدأ باكتساب المفاهيم تدريجياً من عائلته ومجتمعه، لذلك فإن الوعي الذاتي للفرد، الذي يحسم المعركة لصالح الأفضل، يتشكل ببطء.
لكن في مجتمعات أنهكتها الحروب والنزاعات، حيث تعاني الشعوب من انهيار سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي، يصعب تشكيل هذا الوعي، الذي يحتاج وقبل كل شيء إلى بنى تحتية راسخة ومتينة توفر له الحماية والأمان والحياة الكريمة.
يستخدم صانعو القرار وقادة العالم الدين بشكله المتطرف كأداة لتحقيق أهدافهم. يثيرون النعرات والانقسامات الدينية عمداً وبشكل كبير. والخلطة ليست معقدة في ذلك، حروب ونزاعات مستمرة، تركيع الشعب من خلال تجويعه وإذلاله، تصفية المفكرين والعلماء، الاحتكام إلى الدين كدستور، يحول كل ذلك الشعب الى قطيع ماشية يُقاد حيث فُتات الخبز ورضى السياسيين الفاسدين ومشايخ المجتمع.
أصبحنا نرى قادة العالم بأشكال لم نعهدها من قبل، بين مهرج ومترنح. المشهد السياسي العالمي ليس مبشراً. قد تضطر الشعوب في بعض الأوقات لأن تكون أكثر يقظة من قادتها، عليهم أن يتحملوا مسؤولية أنفسهم وأن لا يقعوا في المصيدة.
تحولت أجزاء كبيرة من عالمنا الى سيرك سياسي. يدور فيه القادة بفلك الأجندات الخفية معتمدين على جمهور لم يدرك بعد أن العرض يتم على حساب عقله وحريته وكرامته. وربما، لو استمعنا جميعاً إلى نصيحة أحمد شوقي وأعطينا الخبز والمسرح لشعوبنا، لما كان للدهاليز السياسية والدينية المتطرفة أن تصدح بأصداء الخطب الرنانة التي تعد بالكثير من الفقاعات الملونة، لا يبقى منها غير الرذاذ.
يتم استغلال الدين بشكل بشع لتبرير العنف وقمع الشعوب، وقطع شرايين الحياة إليها. أساليب تحط من قيم المجتمع وتجرده من قدرته على التفكير النقدي، ما يُسهل التلاعب بأفكاره ومعتقداته. وهنا يبدأ سقوط المجتمعات، فالانهيار أسرع بأضعاف مضاعفة من البنيان، تماماً مثل قطع الدومينو المرصوفة بعناية، نقرة خفيفة بالأصبع على قطعة منها يهدم بنيانها بالكامل.
لا يمكن للبطون الخاوية والعقول المُنومة أن تشق طريقها نحو الحياة الحرة الكريمة، أن ترى طريقها بوضوح. ومثل هذه المجتمعات تكون أشبه بمختبر تجارب كبير يتم فيه تصريف المشاكل والنزاعات السياسية والاقتصادية، خلق سوق عالمية تبرر الحاجة إلى المنتجات الفاسدة والأكاذيب الملفقة.
الدين لمن يفهمه بالشكل الصحيح، أمر شخصي جداً، يتحدد بين الإنسان وخالقه. تماماً مثل العطر، كلٌ يختار ما يناسبه وكل مسؤول عن أعماله. ورغم أن غالبيتنا يرث دينه من أجداده، إلا أن حرية التفكير والرأي الذاتي والوعي الفردي، أمور شخصية نُشكلها نَحن لنحدد ماهية وجودنا كبشر.
والشرط الأساسي لكي يكون الإنسان خلاقاً ومنتجاً في مجتمعه، هو أن تكون لديه القدرة على التحكم الى عقله في كل وقت وأن لا يترك نفسه فريسة سهلة لمهاترات ولى زمنها.