ستوكهولم – صحافة سويدية: نشرت صحيفة Expressen السويدية ( المصدر باللغة السويدية انقر هنا) تقريراً بقلم الصحافي قاسم حمادي حول عمليات القتل التي ارتُكبت مؤخرًا ضد المدنيين العلويين في سوريا، حيث تم توثيق جرائم قتل مروعة أثارت موجة من الغضب والاستنكار على مستوى العالم.
شهادة من قلب الحدث
وقالت الصحيفة، “ظلت زرقة سباهية أربعة أيام متواصلة تراقب جثث أبنائها الذين تم إعدامهم أمام عينيها. كانت شاهدة على واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبت في حق العلويين في سوريا، حيث اقتحمت جماعات مسلحة قريتها قبّو العوامية، الواقعة بالقرب من مدينة جبلة الساحلية.
وأضافت زرقة سباهية القول لصحيفة Expressen: “لقد صرخنا بأننا مدنيون وبأن لدينا أطفالًا صغارًا في المنزل، لكن لم يُنصت أحد لنا. بعض المجموعات تركونا في البداية، فاعتقدنا أن الأمر قد انتهى. لكن سرعان ما عادوا إلينا لتنفيذ جريمتهم”.
تفاصيل المجزرة
ووفق الصحيفة، قبل ساعات قليلة من موعد الإفطار في شهر رمضان، اقتحم مقاتلو هيئة تحرير الشام (HTS) المنزل الذي تحتمي فيه زرقة سباهية وأفراد عائلتها. الموجات الأولى من المسلحين فتشوا المنزل بحثًا عن أسلحة، وحين لم يجدوا شيئًا، تركوا العائلة وشأنها وأمروهم بالبقاء في الداخل.
لكن في الموجة التالية، اقتاد المسلحون ابنها سهيل ريحان (45 عامًا)، الذي كان موظفًا حكوميًا، وحفيدها لاماس ريحان (20 عامًا)، الطالب الجامعي. وأثناء ذلك، صادفوا ابنها الآخر كينان ريحان (41 عامًا)، الذي كان يعمل مدرسًا للغة الإنجليزية. وقبل أن تتمكن زرقاء من التدخل، وُضعت البنادق على رؤوسهم وتمت إعدامهم بدم بارد أمام منزلهم.
تقول زرقة : “لم أستطع فعل شيء، فقط رأيتهم يقتلون أبنائي ويختفون”.
مذبحة موثقة بالفيديو
لم يقتصر الأمر على القتل فحسب، بل قام المسلحون بتصوير الجريمة ونشر الفيديو عبر الإنترنت، مما أثار صدمة عالمية.
يظهر في الفيديو أحد مقاتلي هيئة تحرير الشام وهو يقول: “سنسحق كل العلويين”، فيما يكرر آخر: “هذا ما بدأتموه أنتم”، موجهًا حديثه إلى زرقة، التي ترد عليه قائلة: “هذا ليس صحيحًا”.
فرار السكان وتحول القرى إلى مدن أشباح
منذ وقوع المجازر، فرّ معظم سكان المنطقة، وتحولت القرى العلوية إلى مدن أشباح، حيث أغلقت الطرقات وأصبحت مناطق غير آمنة. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان (SOHR)، ومقره في لندن، أن أكثر من 1400 شخص قُتلوا خلال الأيام الماضية، إلا أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير، حيث لا تزال الاتصالات مقطوعة مع بعض المناطق الساحلية.
هيئة تحرير الشام ودورها في الحكومة الجديدة
تأتي هذه الأحداث وسط تحولات سياسية كبيرة في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر 2024. هيئة تحرير الشام (HTS)، التي كانت تصنف كجماعة جهادية، أصبحت الآن جزءًا من الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا. في 29 يناير 2025، تم تعيين زعيمها السابق أحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، رئيسًا مؤقتًا للبلاد.
ورغم إعلان الهيئة عن تفكيكها رسميًا في ديسمبر 2024 لتسهيل دمج الفصائل العسكرية الأخرى في جيش وطني، إلا أن نفوذها لا يزال قويًا داخل الحكومة الانتقالية، حيث يشغل عدد من أعضاء الهيئة السابقين مناصب قيادية بارزة، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة الجديدة على بناء نظام سياسي تعددي وشامل.
ردود الفعل والتحقيقات الجارية
في محاولة لاحتواء الغضب الدولي، أعلن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع عن تشكيل لجنة تحقيق خاصة للنظر في هذه المجازر، متعهدًا بتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. كما نشرت السلطات السورية صورًا لستة مشتبه بهم في تنفيذ عمليات القتل، لكن شهود العيان من مدن اللاذقية وبانياس والقرى المجاورة يؤكدون أن مقاتلي هيئة تحرير الشام لا يزالون منتشرين في المنطقة ويواصلون أعمال العنف، وإن كان بوتيرة أقل مما سبق.
رفض لقاء الرئيس السوري الجديد
بعد انتشار الفيديو على نطاق واسع، دُعيت زرقاء إلى لقاء مع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في دمشق، لكنها رفضت الدعوة بشدة. تقول: “قالوا لنا إننا سنلتقي شخصًا قريبًا من القرية، وطلبوا منا ارتداء ملابس أنيقة، لكن عندما سألنا عن الشخص، علمنا أنه الرئيس نفسه. عندها رفضنا الذهاب”.
وتضيف: “لا أحد يستطيع أن يعيد لي أبنائي، ولا أريد لقاء أي مسؤول. العدل الوحيد الذي أؤمن به هو عدالة الله”.
مذبحة تثير المخاوف حول مستقبل سوريا
تُعد هذه الأحداث واحدة من أعنف موجات العنف الطائفي التي شهدتها البلاد منذ الإطاحة بنظام الأسد. وقد دفعت هذه المجازر آلاف العلويين إلى الفرار إلى لبنان خوفًا من تكرار الاعتداءات، مما يزيد من التحديات أمام الحكومة الجديدة في تحقيق الاستقرار وإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري.
لا تزال الأوضاع غير واضحة، ومع استمرار أعمال العنف والنزوح الجماعي، يظل التساؤل مطروحًا: هل ستتمكن الحكومة الجديدة من فرض سيادة القانون، أم أن سوريا ستغرق في موجة جديدة من الفوضى والانتقام؟
المصدر: صحيفة Expressen السويدية