شغلت ضاحية روزنغورد التي تقع شرق مدينة مالمو السويدية الاعلام السويدي والعالمي لوقت طويل، حيث كانت تحتل أحيانا أبرز العناوين في الصفحات الأولى من كبريات الصحف السويدية والعالمية نظراً لنشاط العصابات الإجرامية وأحداث الشغب وإحراق السيارات التي وقعت فيها.
وعلى الرغم ما يعنيه اسم روزنغورد (حديقة الزهور) في اللغة السويدية وما تتميز به من بناء منتظم ومناطق خضراء ممتدة، الا أنها اعتبرت في عام 2015 وما تلاها من أعوام من أخطر المناطق للسكن فيها ليس على صعيد السويد فقط بل على صعيد أوروبا.
وعلى عكس ما يتوقعه الشخص الذي يزور المنطقة لأول مرة، فإن الضاحية التي تسكنها غالبية ساحقة من المهاجرين تبدو ساكنة، وديعة وغنية بالجنسيات والثقافات المختلفة التي تسكنها، كالعراقية، الفلسطينية، اليوغسلافية، اللبنانية، البوسنية والأفغانية والصومالية وغيرها الكثير، وربما بسبب ذلك، فإن نسبة الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً يمثلون نحو ثلث سكان الضاحية الذي يزيد عددهم عن 34000 نسمة، وهي نسبة كبيرة قياساً ببقية المناطق السويدية.
مركز الضاحية
وسط الضاحية يقع مركز روزنغورد التسوقي، وهو مجمع كبير مختلف عن بقية المجمعات التسويقية في السويد من حيث الترتيب ونوعية البضائع التي تباع فيه. مركز تسوقي ذات طابع خاص.
يستقبل المركز زواره بمتجرين كبيرين لبيع المواد الغذائية واللحوم، شكلهما في البداية يوحي بأنهما متجرين سويديين من حيث مساحتهما الواسعة، لكن التقرب منهما قليلاً يبين انهما متجران شرقيان بلا منازع.
الدخول الى المجمع التسويقي لرونغورد يوقظ الذكريات بالأسواق الشعبية في البلدان العربية، ولوقت قصير ينسى المرء انه في بلد أوروبي، فالمجمع ليس في الآخر سوى مرآة تعكس النسيج الاجتماعي والعرقي الذي يسكن المنطقة وما فيه من بضائع تلبي بالضرورة احتياجاتهم.
بالكاد يلاحظ المرء وجود السويديين، والقليل الموجود منهم في السوق هم في الغالب من المسنين الذين يعيشون في المنطقة منذ زمن بعيد بعد ان انتقل ابناءهم للعيش في مناطق أخرى، بحسب ما تحدث اليه الأشخاص الذي يعيشون في المنطقة لـ SWED 24.
رضوان: تهويل في وصف الوضع بالمنطقة
يملك رضوان داود محل كبير في وسط المجمع، يبيع فيه أنواع مختلفة جداً من الحاجيات المنزلية، حتى ان التجوال في المحل وحده يحتاج ساعات لتفحص البضائع المكدسة والمختلفة الأحجام.
يقول داود لـ SWED 24 انه يعمل في مجمع رونغورد منذ 27 عاماً وأن الوضع في المنطقة ليس بالخطورة التي تصفه بها وسائل الإعلام والا لما كان عمل فيها كل هذه المدة.
وصل داود الى السويد وسكن مدينة مالمو في عام 1995، عاش في روزنغورد نحو 13 عاماً قبل ان يقرر نقل سكنه الى منطقة أخرى، لكنه حافظ على عمله هناك.
يضيف داود، انه في بداية سكنه في المنطقة كان الوضع أفضل وكان هناك سويديون يسكنون المنطقة، لكن مع الوقت انتقل أبناءهم الى مناطق أخرى فيما لا زال أولياء أمورهم يسكنون المنطقة.
مالمو
مالمو التابعة لمقاطعة سكونه هي ثالث أكبر مدينة سويدية من حيث تعداد سكانها الذي يزيد عن 353 ألف نسمة. هي مدينة ذات طابع خاص لما يسكنها من جنسيات مختلفة، حيث يعيش فيها أشخاص ينحدرون مما لا يقل عن 183 جنسية وتعتبر من أسرع المدن السويدية زيادة في عدد سكانها.
وكما في بقية المدن السويدية، هناك مناطق يعيش فيها غالبية ساحقة من السويديين ومثلها للمهاجرين، الأمر الذي يثير جدلاً واسعاً بين الحين والآخر على طاولة السياسيين، جدل ينتهي بنفاذ الغاية منه والتي عادة وغالباً ما يكون كدعاية انتخابية او النقاشات الساخنة التي تدور بين قادة الأحزاب.
نصف سكان مالمو من الشباب
يُشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18-35 قرابة نصف سكان المدينة، أكثر من 48 بالمائة وربما هذا ما يمنح المدينة خصوصية فريدة من نوعها تتمثل في الحركة المستمرة التي تشهدها شوارعها واكتظاظها بالسكان طوال الوقت.
تتميز مالمو بحدائقها الخضراء الجميلة وخدمات وسائل النقل العامة فيها التي تتميز بثمنها البخس مقارنة بالمناطق الأخرى، حيث يمكن للشخص شراء تذكرة تمكنه من التنقل بالباصات والقطارات الداخلية المختلفة لمدة 24 ساعة بمبلغ لا يتجاوز 56 كرون للبالغين واقل من ذلك للطلبة والأشخاص دون سن 18 عاماً، كما ان هناك شوارع عريضة مخصصة لسير الدراجات فقط ما يقلل من استخدام السيارات الخاصة بشكل كبير والتقليل من غازات الاحتباس الحراري.
ولا تنفرد مالمو وروزنغورد وحدهما بأحداث العنف وأعمال الشغب، بل تشكل جزء ما يحصل في بقية المدن السويدية الأخرى بين الحين والأخر، حيث ان العنف ليس مرتبطاً بجنسية الناس او جغرافية المنطقة بل بحزمة من الأسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
دور الشرطة
يقول إبراهيم مدني، الذي يملك محل لبيع الألبسة النسائية في مركز روزنغورد، إن الشرطة تقوم او تتصرف في بعض الأحيان بشكل مستفز، مستشهداً فيما حصل في الفترة الماضية عندما منحت المتطرف اليميني راسموس بالودان ترخيصاً لحرق القرآن في روزنغورد.
ويوضح في حديثه لـ SWED 24، قائلاً: “تعرف الشرطة ان غالبية سكان المنطقة مسلمون لكنهم مع ذلك سمحوا للمتطرف اليميني بالودان بحرق المصحف وسط روزنغورد”.
ويرى مدني ان الشرطة على علم بأفراد العصابات والمراهقين والشباب الذين يقومون بالفوضى واعمال الشغب لكنهم لا يفعلون شيئاً، بل ينتظرون حتى تتفاقم الأمور بشكل أكبر.
ويعتقد مدني الذي يعيش في مدينة مالمو، أن انحراف الكثير ودخول عالم الجريمة يبدأ في سن المراهقة، لذلك يحتاجون الى الكثير من المتابعة والاهتمام سواء من الأهل أو الحكومة والشرطة، التي عليها منع المراهقين والشباب من دخول عالم الجريمة وتجنيب المزيد منهم للتوغل فيه من خلال التدخل السريع والتربوي، الا ان ما يحصل هو غير ذلك، حيث تكون الشرطة في بعض الأحيان على علم بما يحصل لكنها لا تتدخل.
ورغم التشديدات التي أقرتها السويد على العقوبات وخاصة في مجال الجريمة والإرهاب، الا ان البعض لا يزال يصفها بالمرنة، وخاصة للأشخاص دون سن الـ 18 عاماً، الذين يحاكمون بعقوبات مخففة جداً، ما يجعلهم فريسة سهلة للعصابات الإجرامية المنظمة.
مسؤولية مشتركة
يقول مدني ان المسؤولية يجب ان تكون مشتركة بين الأهل والمؤسسات الحكومية من أجل إبعاد الشباب عن طريق الجريمة.
ويرى مدني أن المشكلة تكمن في عدم توعية الأهل بطريقة تربية أبناءهم، وان الأهل يخافون في الكثير من المرات أو يترددون في الوقوف ضد أبناءهم حتى لو أحسوا انهم يفعلون الشيء الصحيح، لأنهم يعتقدون ان ذلك قد يؤدي في النهاية الى قيام الخدمات الاجتماعية (السوسيال) بأخذ أطفالهم منهم.
ويشير الى ان هناك نقص في معلومات الأهل حول ذلك وقصور من الحكومة في عدم توعية الأهل بالشكل الذي يحافظون فيه على ابناءهم ويبعدونهم عن دروب الجريمة دون التعرض لمخاطر تدخل السوسيال.
هدوء يسود المنطقة
السويد على موعد في 11 أيلول/ سبتمبر 2022 مع الانتخابات البرلمانية وعلى الرغم من تشديد قادة الأحزاب السويدية على ضرورة مشاركة جميع الناخبين وخاصة المنحدرين من أصول اجنبية، الا ان تواجدهم في المناطق الضعيفة مثل ضاحية روزنغورد يكاد يكون غير مرئياً، رغم ما يعنيه ذلك من قيمة بالنسبة لأهل المنطقة.
يقول أبو محمود لـ SWED 24، ان حضور السياسيين أو المرشحين الى المنطقة يكاد يكون معدوماً، ويوضح انه ورغم ان الحكومة توضح اهتمامها في بعض الأحيان بالمنطقة من خلال القيام ببعض النشاطات فيها، الا ان ذلك الاهتمام يجب ان يكون بشكل مستمر ومنتظم وان لا يقتصر على فترة دون أخرى.
عاش أبو محمود في ضاحية روزنغورد لنحو 20 عاماً قبل ان يقرر الانتقال منها بعد ان وصل ابناءه الى سن المراهقة.
ويوضح ان اعمال العنف التي شهدتها المنطقة قبل نحو خمسة أعوام وقيام افراد العصابات بتصفية بعضهم البعض من خلال إطلاق النار على البنايات دفعه الى الانتقال من المنطقة، لكنه لا يزال يعمل فيها وان تلك الأحداث انتهت وكانت لفترة وجيزة فقط.
يقول أبو محمود ان أقاربه واصدقاءه لا يزالوا يسكنون في ضاحية روزنغورد ويمارسون نشاطاتهم فيها بشكل طبيعي، فهناك مسبح وملعب كبير لكرة القدم، حيث يعد فريق روزنغورد الذي بدء لاعب كرة القدم الشهير زلاتان ابراهيموفيتش مستقبله الكروي فيه من أقوى الفرق.