رأي/ يشهد العالم اليوم مرحلة معقدة من الصراعات التي تعيد تشكيل النظام الدولي بطرق لم نشهدها منذ الحرب العالمية الثانية. الأزمة بين روسيا وأوكرانيا قد كشفت عن انقسامات جديدة داخل الغرب، حيث يتخذ كل طرف موقفاً متبايناً يظهر عمق التباين في السياسات الدولية. هذه الحرب لم تعد فقط صراعاً إقليمياً، بل أصبحت علامة فارقة تعيد تشكيل التحالفات العالمية.
في هذا السياق، تعيد الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب رسم السياسات الدولية بشكل يثير الجدل، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى المشهد العالمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفتيل الذي أشعله هجوم حماس على إسرائيل فجّر توترات وردود أفعال غير متوقعة في الشرق الأوسط، كانت في الحقيقة كامنة وتنتظر الوقت المناسب، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع في المنطقة بأسرها.
في الشرق الأوسط، تلعب إيران دورًا محوريًا في تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية، خاصة من خلال دعمها للميليشيات الشيعية في المنطقة. هذه الميليشيات، التي تمتد من العراق إلى سوريا ولبنان، تعتبر أدوات رئيسية في استراتيجية إيران لتوسيع نفوذها. الرد الإسرائيلي والأمريكي على هذه التطورات لا يزال يشكل محور تغير السياسة في المنطقة. إسرائيل، التي ترى في التوسع الإيراني تهديدًا مباشرًا لأمنها، لم تتوان عن تنفيذ ضربات عسكرية ضد أهداف إيرانية وميليشيات شيعية في سوريا.
من الناحية الأخرى، تواجه تركيا تحديات داخلية وخارجية تعكس الصدمات السياسية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة. الوضع في تركيا اليوم يمكن أن يعتبر مؤشراً على أن التغيرات الجيوسياسية الراهنة قد تكون غير متوقعة ومفاجئة، وليست مجرد تداعيات مباشرة للأحداث السابقة.
الأوضاع في سوريا، التي لا تزال جزءاً من الخارطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط، تلقي الضوء على استعداد الغرب لفتح صفحة جديدة مع الحكومات التي كانت حتى الأمس القريب معزولة أو مع قيادات كانت منبوذة في السابق. هذا يؤكد النظرية التي تقول إن الأحداث الراهنة هي نتاج تحولات عميقة ومتداخلة على مستوى السياسة العالمية.
يعتقد البعض أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل، لكنها ليست حرباً تقليدية تتمثل في الاشتباكات المسلحة والتحالفات العسكرية كما في الحروب العالمية السابقة. بل هي حرب تجارية واقتصادية، تشكل الوجه الجديد للصراعات العالمية. في هذا العصر، حيث تمتلك الدول أسلحة متطورة وفتاكة قادرة على إبادة شعوب بأكملها، تتجه الحروب نحو معارك اقتصادية أو تكنولوجية ومعلوماتية، تؤثر بشكل مباشر على الأسواق العالمية وتوازنات القوى.
النزاعات التجارية الراهنة والتحديات الاقتصادية التي تمر بها العديد من الدول تعكس هذه الديناميكية الجديدة. بدلاً من المعارك العسكرية المفتوحة، نشهد صراعات على النفوذ الاقتصادي والتحكم بالموارد العالمية، وتنافس على السيطرة على أسواق التكنولوجيا والطاقة. هذه الحرب الجديدة لا تقل خطورة عن سابقاتها، لكنها تتطلب أسلحة مختلفة تتمثل في السياسات التجارية، والتحالفات الاقتصادية، والابتكارات التكنولوجية.
هذه التغيرات الجوهرية في طبيعة الصراعات الدولية تتطلب من الدول تعديل استراتيجيتها لتعزيز قدرتها على المنافسة في عالم يعتمد بشكل متزايد على القوة الاقتصادية والتأثير السياسي. وفي ظل هذه الظروف، يظل التساؤل قائمًا عن مستقبل النظام العالم والسؤال مفتوحاً حول الاتجاه الذي ستأخذه هذه الصراعات.
هل نحن متجهون نحو تصعيد أكبر يعيد تشكيل النظام العالمي بشكل جذري، أم أن هناك احتمال لتحولات تؤدي إلى استقرار أكبر؟ التاريخ يعلمنا أن النتائج غالباً ما تكون غير متوقعة، وفي زمن يتسم بالتحديات الاقتصادية والتوترات السياسية، يبقى كل شيء ممكناً.

لينا سياوش
مقالات الرأي تُعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24