SWED 24 – تحقيقات: ستوكهولم تعيش على وقع انفجارات متكررة، والشوارع باتت مسرحا لمواجهات بين العصابات المنظمة وأجهزة الأمن والشرطة. تصاعد العنف يثير قلق المواطنين، ويضع الحكومة السويدية في موقف محرج أمام عجزها عن ضبط الأمن. فهل فقدت السويد السيطرة على الجريمة؟ ففي مؤتمر صحفي عُقد في وقت سابق من هذا الأسبوع، أقر رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترشون بأن الحكومة لا تملك السيطرة الكاملة على الوضع الأمني! وربط السبت 1 شباط/ فبراير تصاعدها بالهجرة.
عنف متصاعد وشوارع تتحول إلى ميادين حرب
كانت فادية سليم تعتقد أن أسوأ ما يمكن أن يحدث أثناء ركن سيارتها هو تلقي مخالفة، لكنها لم تكن تتخيل أن لحظة عادية أمام متجر في ستوكهولم ستتحول إلى مشهد عنف صادم.
تقول فادية لـ SWED24: رأيت رجلاً ملثماً، لم يظهر من وجهه إلا عينيه، ولسذاجتي اعتقدت انه حارس موقف السيارات وانه سيُغرمني على ركن السيارة، فأخذت أنظر إليه منتظرة أن يأتي الى السيارة ويضع ورقة الغرامات، لكن ما حصل بعد ذلك جعلني مصدومة. لم يكن الشاب وحده بل تبعه اثنان اخران، كانا هما الاخران ملثمان، عرفت أنه ليس حارس موقف السيارات ودخلت المتجر لشراء حاجياتي، لكني بعد ثواني فقط سمعت صوت تكسر نوافذ كبير جداً، ما اضطر صاحب المتجر الى غلق أبوابه، فيما حاول الزبائن عدم الخروج من المتجر.
تتابع فادية، قائلة: ما حصل أن الشباب الثلاثة بدأوا بقذف الاحجار على نوافذ مدرسة لتعليم القيادة، مجاورة للمتجر الذي كنت اتبضع منه، وفي وقت قياسي أحالوا النوافذ الكبيرة الى رماد كريستالي مطحون على الأرض. بعدها وصلت الأخبار. صاحب المتجر رفض الرضوخ لابتزاز العصابات.
هذا المشهد، هو اصغر نموذج لما يحدث الآن، من تفجيرات واطلاق نار، بل أصبح سيناريو يومياً في السويد، التي كانت تُعرف يومًا بأنها واحدة من أكثر الدول أمانًا في العالم. وخلال يناير 2025 وحده، شهدت البلاد أكثر من 30 تفجيراً، معظمها في ستوكهولم، ولكن أيضاً في مدن أخرى مثل أوبسالا ويوتوبوري ومالمو، وفقًا للشرطة السويدية.
الجريمة تتطور.. من تصفية الحسابات إلى استهداف الأبرياء
في السابق، كانت العصابات الإجرامية تتصارع فيما بينها لتصفية الحسابات، لكن الوضع تغير الآن. وفقًا لتقارير شرطة الأمن السويدية “سيبو”، أصبح الهدف الجديد أصحاب الشركات والأفراد الذين يرفضون دفع الإتاوات. العصابات تستخدم أساليب أكثر تطورًا وأشد خطورة، فبدلًا من تهديد فردي، يتم زرع متفجرات أمام منازل الضحايا أو محالهم التجارية، لفرض سطوتها وبث الرعب بين السكان.
ما يزيد الأمر تعقيداً أن تنفيذ هذه الجرائم يتم عبر شبكات من المراهقين المجندين من قبل العصابات، حيث يتم تكليفهم بزرع القنابل وإطلاق النار مقابل مبالغ زهيدة أو بسبب التهديد. وهذا ما أكده تقرير الشرطة الأخير، الذي أشار إلى أن متوسط أعمار منفذي الهجمات في السويد انخفض إلى 14-17 عامًا، ما يعكس تحولًا خطيرًا في طبيعة الجريمة.
جريمة بلا خطوط حمراء.. الجميع مستهدفون
بات من المعتاد أن يُستهدف أقارب زعماء العصابات، حتى وان كانوا ابرياء لا علاقة لهم بما يحدث، كما حدث مع عم “روا مجيد”، زعيم عصابة “فوكس تروت”، الذي قُتل في وضح النهار داخل متجر في هوسبي، شمال غرب ستوكهولم، قبل أيام. لكن الأخطر أن العنف لم يعد محصورًا داخل الأوساط الإجرامية. المواطنون العاديون، الذين لا علاقة لهم بالجريمة، أصبحوا ضحايا جانبيين، سواء من خلال التفجيرات أو إطلاق النار العشوائي الذي يتكرر في الأحياء السكنية.
حكومة محرجة.. وعجز أمني واضح
في ظل تصاعد العنف، يعيش الشارع السويدي حالة قلق وخوف غير مسبوقين، وأصوات التفجيرات وإطلاق النار تكاد تُسمع يومياً. ما يجري في البلاد يشبه “حرباً داخلية غير مُعلنة”، لكن الحكومة السويدية تبدو عاجزة عن فرض الأمن، وهو ما اعترف به رئيس الوزراء أولف كريسترشون عندما قال مؤخرًا: “الوضع أصبح خارج السيطرة تمامًا. العصابات تفرض قوانينها في الشوارع، وعلينا اتخاذ إجراءات صارمة لاستعادة الأمن.”
حكومة اليمين الحالية، التي يقودها حزب المحافظين بدعم من حزب ديمقراطيو السويد (SD)، تبنت أكثر القوانين تشددًا خلال أقل من عامين، لكن ذلك لم يمنع تصاعد العنف. ووفقًا لوزير العدل غونار سترومر، فإن السويد بحاجة إلى تغيير جذري في القوانين الأمنية، إذ لم تعد التشريعات الحالية قادرة على التعامل مع الجريمة المنظمة التي تتطور باستمرار.
الإحصائيات تكشف عمق الأزمة
بحسب تقرير حديث صادر عن المجلس الوطني لمنع الجريمة (BRÅ)، فإن:
- عدد القتلى جراء جرائم العصابات في السويد بلغ 65 قتيلًا خلال عام 2024، وهو أعلى رقم في تاريخ البلاد.
- أكثر من 400 حادث إطلاق نار سُجلت خلال العام الماضي، ما يعكس تصاعد المواجهات بين العصابات.
- أكثر من 150 انفجارًا وقع في 2024، وهو رقم قياسي غير مسبوق.
- 30% من المعتقلين في قضايا الجريمة المنظمة هم من القُصّر دون 18 عامًا، وهو مؤشر على أن العصابات تستغل الشباب للقيام بأعمالها القذرة.
خوف في الشارع.. لا أحد يريد الحديث
توجهنا إلى أحد المطاعم في منطقة شهدت إطلاق نار أودى بحياة رجل داخل منزله. حاولنا الحديث مع صاحب المطعم، لكن الخوف كان واضحًا عليه، فرفض الحديث قائلًا: “أنا لا أريد مشاكل.. لا تسألني عن أي شيء”.
هذا المشهد يعكس حالة الرعب التي تسود المجتمع السويدي، حيث يخشى الناس التحدث علناً عن الجريمة المنظمة، خوفاً من استهدافهم أو أقاربهم.
هل السويد قادرة على استعادة السيطرة؟
رغم تعهدات الحكومة بمواجهة العصابات بكل قوة، إلا أن الواقع يشير إلى أن العصابات ما زالت تتحكم في العديد من المناطق، وفق الخبراء الذين يعتقدون أن العصابات تستفيد من تراكمات أخطاء سابقة، مثل التراخي في قوانين مكافحة الجريمة، والتهاون مع شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات، بالإضافة إلى غياب استراتيجية واضحة لإدماج المهاجرين، وهو ما تسبب في نشوء مجتمعات موازية أصبحت بيئة خصبة للعصابات.
الحكومة السويدية تجد نفسها الآن في مأزق حقيقي: كيف يمكنها ضبط الأمن دون الإضرار بالنسيج الاجتماعي والديمقراطي للبلاد؟ وكيف يمكنها تفكيك العصابات دون أن تتحول السويد إلى دولة بوليسية؟
ما هو مؤكد، أن السويد لم تعد كما كانت. فإما أن تنجح في استعادة سيطرتها على الأمن، أو تواجه مستقبلًا أكثر قتامة، حيث تتحول العصابات إلى دولة داخل الدولة، تفرض قوانينها على الجميع.