مقالات الرأي: لطالما كانت قصص الملائكة والشياطين جزءًا من التراث الثقافي للبشرية، حيث تُصور هذه الكائنات كرموز لقوى الخير والشر التي تؤثر في مصائرنا. لكن، ماذا لو كانت هذه الكائنات تعبيراً مجازياً عن طبيعة الإنسان؟ ماذا لو كانت الملائكة والشياطين تعيش بيننا، في صورة أشخاص يحملون داخلهم بذور النور والظلام؟
في هذا السياق، الشيطان ليس بالضرورة كائناً مرعباً يتربص في الظلام، بل قد يكون كل من يمارس الشر ويغذي الصراعات. الشيطان يمكن أن يكون الجار الذي يغفل عن مسؤولياته تجاه الآخرين، أو الزميل الذي يزرع الفتنة بين أقرانه. أفعالهم هي التي تكشف عن الجانب المظلم من الإنسانية، حتى وإن لم يدركوا هم ذلك. إنهم يتغذون على الخوف، يستغلون الضعف، ويزرعون بذور الكراهية في قلوب من حولهم. هذا الشر قد لا يكون واضحاً دائماً، بل يظهر في صورٍ خفية تكشف عن نفسها من خلال الأفعال البسيطة التي تحمل آثاراً عميقة.
أما الملائكة، فهم ليسوا بالضرورة كائنات بأجنحة تحلق في السماء، بل هم أولئك الذين يُضيئون حياتنا بأفعالهم، الذين يحملون معاني الرحمة والتضحية. هؤلاء لا يحتاجون إلى أجنحة ليطيروا، بل يكفي أن يُقدموا العون دون انتظار مقابل. هم من يجسدون النور في عالم يعج بالظلام، ويساهمون في إضاءة دروب الآخرين. الملائكة بيننا هم الذين يختارون طريق الحب، يسعون لجعل الحياة أكثر جمالاً، ويعملون بصمت لتخفيف معاناة الآخرين. ربما هم أناس عاديون في مظهرهم، لكن أفعالهم تجعلهم مميزين.
الصراع بين الملائكة والشياطين ليس مجرد فكرة دينية أو أسطورية، بل هو واقع نعيشه يومياً. داخل كل منا، هناك معركة دائمة بين قوى الخير والشر، بين النور والظلام. هذه المعركة الداخلية هي ما تشكل هويتنا وتحدد مسار حياتنا. نحن من نصنع ذواتنا، ونختار البذور التي نرويها لتزدهر في أرواحنا، سواء كانت بذور الخير أو الشر. في هذه المعركة، نحن نملك الخيار، ونملك القدرة على تحديد الاتجاه الذي نسلكه. نحن من نختار أن نكون نوراً يبدد الظلام، أو أن نترك الشيطان يسود داخلنا.
وفي هذه الرحلة الإنسانية، نحن محاطون بأمثلة حية على كلا الجانبين. نرى أولئك الذين يسعون لإحداث فرق إيجابي في حياة الآخرين، يقدمون الدعم للمحتاجين، ينشرون الأمل في الأوقات الصعبة. وفي بعض الأحيان تحاور أشخاص وكأنك تحاور شياطين هائجة لا ملامح واضحة لها غير الشر والإساءة الى الآخرين.
هذا الصراع المستمر بين الخير والشر هو ما يجعل الحياة مليئة بالتحديات، الموجعة في بعض المرات، لكنه أيضاً يقوي من صُلب المرء ويمنحه رؤية حكيمة بخياراته في الحياة، إذا أتاح له العمر وقتاً لذلك.
في عالم مليء بالتحديات والظلام، قد يكون قرارنا بأن نكون نوراً هو ما يصنع الفرق. السؤال الذي يظل قائماً: هل سنختار أن نكون من أولئك الذين ينيرون العالم بأفعالهم، أم سنترك للظلام فرصة للسيطرة؟
في النهاية، نحن من نملك القوة لتحديد مصائرنا، ونحن من يقرر الإرث والأثر الذي سنتركه خلفنا. الأمر ليس بالسهل، وعلى الناس “الملائكة” أن يتحلوا بقدر كبير من الشجاعة والإرادة وفهم الذات أمام ما يواجهونه من تحديات عصية. الجيد في الأمر أن الأشخاص الذين يمثلون هذه الفئة يعرفون أن طريقهم ذو مسلك واحد ومتجه دائماً نحو الأمام.
لينا سياوش
مقالات الرأي في SWED 24 تُعبر عن رأي كُتابها وليس بالضرورة عن رأينا