مقال رأي/ هل السويد في حالة حرب عصابات مستمرة من خلال جرائم القتل والسرقة والاحتيال اليومية، التي تتصدر عناوين الصحف الرئيسية في البلاد؟
من السهل أن يشعر الناس إن السويد تحولت الى مسرح للعنف، إلا أن هذه الصورة قد لا تكون دقيقة دائمًا. فهناك من يعتقد بوجود مبالغة في وصف حجم الأحداث اليومية عندما يتم التركيز على الجوانب السلبية من الحياة اليومية فقط.”
تتميز الصحافة السويدية بتاريخ طويل من الاستقلالية والمصداقية، ما يجعلها أحد الأعمدة الأساسية للنظام الديمقراطي في البلاد.
الصحفيون هنا يتمتعون بحرية كبيرة في نقل الأخبار والكشف عن الحقائق، سواء تعلق الأمر بالجرائم أو الفساد السياسي. هذا التميز جعل من الصحافة السويدية مرجعًا للمعلومات الموثوقة، فهي لا تخشى نشر تقارير قد تكون محرجة أو حتى مدمرة لأكبر السياسيين والمسؤولين في البلاد.
لكن هذه الشفافية العالية قد تؤدي إلى نقل صورة غير متوازنة عن الأوضاع العامة في البلاد. فعندما تصبح أخبار الجرائم والعنف محور التركيز اليومي، يتولد لدى القارئ إحساس بأن السويد باتت مكانًا خطيرًا للعيش، وهو انطباع قد لا يكون دقيقًا.
تعمل الصحافة كموشور خماسي الأبعاد، ينقل مختلف جوانب الحياة في السويد، إلا أن التركيز المكثف على الجريمة والعنف قد يعطي صورة مشوهة للواقع. فعلى سبيل المثال، الشخصيات الإجرامية مثل رواء مجيد المعروف بـ”الثعلب” تأخذ اهتمامًا كبيرًا في التغطيات الإعلامية. هذا الاهتمام يضفي بريقًا على هذه الشخصيات، مما قد يجعلهم قدوة في أعين بعض الشباب المهمشين اجتماعيًا واقتصاديًا، وهو ما يُعد خطرًا بحد ذاته.
من جهة أخرى، فإن الشعب السويدي، المعروف بثقته الكبيرة في مؤسساته الإعلامية والحكومية، قد يتأثر بهذه التغطيات لدرجة أن الخوف من العنف والجريمة يصبح جزءًا من حياتهم اليومية. هذا الخوف يؤدي إلى زيادة الشكوك والانفصال الاجتماعي، حيث يصبح المواطن العادي أكثر حذرًا وأقل ثقة في الآخرين، وخاصة إذا كانوا من خلفيات ثقافية أو اجتماعية مختلفة.
بالنسبة للمهاجرين والأجانب الذين يعيشون في السويد، قد تكون التغطية الإعلامية مصدرًا للقلق المتزايد. فهم قد يفسرون هذه الأخبار بشكل مبالغ فيه، لا سيما وأنهم قادمون من مجتمعات قد تكون أكثر عنفًا أو عدم استقرار. بالتالي، يُمكن أن يشعروا أن السويد ليست آمنة كما كانوا يعتقدون، مما يعزز لديهم الشعور بالعزلة والخوف.
الأمر الأكثر تعقيدًا هو أن بعض الأحزاب السياسية، مثل حزب ” (SD)، تستغل هذه الأزمات لزيادة شعبيتها. فمع كل أزمة أو حادثة عنف مرتبطة بالأجانب، يشهد الحزب تصاعدًا في شعبيته وفقًا لاستطلاعات الرأي. هذا الارتباط بين تغطية الجريمة والسياسة يفتح الباب لمزيد من الانقسام المجتمعي والتوتر بين السويديين والأجانب.
رغم أن الصحافة تلعب دورًا محوريًا في تسليط الضوء على القضايا المهمة، فإنه من الضروري أن تكون التغطية متوازنة. فعرض الأخبار السلبية أمر طبيعي ومطلوب في كل مجتمع ديمقراطي، لكن من المهم أيضًا أن يتم إبراز الجوانب الإيجابية التي تحدث في البلاد. السويد، رغم التحديات الأمنية التي تواجهها، لا تزال واحدة من أكثر الدول أمانًا واستقرارًا في العالم.
يجب أن تُقدَّم للقراء صورة متكاملة: عرض نجاحات البلاد في مجالات التعليم، الصحة، الاقتصاد، والإنجازات المجتمعية، جنبًا إلى جنب مع المشاكل التي تواجهها. بهذا الشكل، يمكن للصحافة أن تظل أداةً فعالة للمعلومات دون أن تسهم في نشر الخوف أو تضخيم الصورة السلبية عن المجتمع.
يبقى على الصحافة مسؤولية كبيرة في تشكيل الرأي العام. وبينما تحتاج وسائل الإعلام إلى تسليط الضوء على الجرائم والمشاكل الحقيقية التي تواجهها البلاد، من الضروري أيضًا تقديم تغطية تعكس الصورة الحقيقية والمتوازنة للسويد. بهذا التوازن، يمكن للقراء أن يفهموا بوضوح الواقع، دون الوقوع في فخ الخبر أو الصور السلبية المبالغ فيها.
لينا سياوش
مقالات الرأي تعبر عن رأي أصحابها وليس بالضرورة عن SWED 24