ما زالت جملة تحدث بها محاضر ديني عالقة في بالي. قال حينها، ان الحياة وان بدت طويلة لنا بسنواتها، الا أنها في الحقيقة أشبه بكتاب تُقلب صفحاته على عجالة لحين الوصول الى النهاية.
هكذا اختصر المحاضر حياتنا، وهذا ما نعيشه بالضبط. تمر السنوات، تأخذ منا القليل في كل عام، وتضيف القليل ايضاً، تذيقنا طعم الفرح تارة، فنطرب مصفقين ومهللين لها، وتارة اخرى تذيقنا طعم الحزن، حينها نر العالم كحبة عدس صغيرة، تكورت على نفسها بدون رأس أو قدمين.
لم يكن عام 2023 سهلاً، كان عاماً من طراز خاص، حمل الكثير من الأحداث والتقلبات والتناقضات، والأهم انه كشف مواقف وأيدلوجيات زائفة لم تكن معروفة بهذا الوضوح في السابق.
على الصعيد الشخصي، فلكل قصته، التي أمتدت احداثها لـ 12 شهراً، فاز بما فاز وخسر ما خسر. في النهاية نقف جميعاً، الرابحون والخاسرون على عتبة العام الجديد، متأهبين بإنتظار إطلاق صفارة البداية ومن هناك تبدأ صفحة جديدة في كتاب العمر، صفحات بيضاء، علينا النقش عليها ورسم آفاقها، منصفة هي الحياة عندما تجعلنا جميعاً ننطلق من نفس البداية.
هل يُفترض بالسنوات ان تكون جميلة بتفاصيلها؟ وأن كانت كذلك ألن نعتاد على الجميل، لنتعب منه بعد فترة ونحس بالملل؟ أم ان السر يكمن في خفايا أسرارها وأنين أعباءها وما تحمله من أحداث، تفرض علينا تحديات مستمرة من أجل الوصول الى خط بداية جديدة، والوصول فوز بحد ذاته.
للسنوات حكمتها ولنا حكمتنا. ولكننا مع الوقت نعتاد نحن البشر عليها، نتأقلم معها بذكاءنا الإنساني، نحاورها، نسايرها، نعاديها مرات ونذوب فيها مرات اخرى، تحاكينا بدورها، تحملنا من حال لحال، تموج بنا وتنقلنا الى الساحل الهادىء، تهادننا حيناً وتبكيناً حيناً، وهكذا هو الوضع منذ الأزل.
أحلى ما في مرور السنوات، انها تُنضجنا، تجعلنا أقوى، تكشف لنا من نحن، ما الذي نريده وما الذي لا نريد الوصول إليه. تعلمنا ان نختار من نريدهم، أن نحب ونصادق ونجلس ونتحدث ونحلم ونكبر مع من نريد. أن نبعد السلبين والحاقدين عنا، ان نمنح أنفسنا قدرها وقيمتها، ان نكرم ذواتنا على إخلاصنا واجتهادنا وصبرنا وتفكيرنا بأنفسنا وبالأخرين، ان نفهم اننا كنا على حق في صرختنا ضد ما لم تؤمن به قلوبنا، أن نكون كما نحن لا كما يُراد لنا، أننا ورغم الزمن الآلي الذي نعيشه، لا زلنا بشراً ولا زلنا قادرين على تمييز الصح من الخطأ.
تعلمنا السنوات كيف نتذوق الحياة بصحبة أنفسنا، ان القوة مصدرها دواخلنا، وأننا شجعان بما فيه الكفاية للمواصلة والرد على الأفواه التي تريد ان تسكتنا وتنال من عزيمتنا وثقتنا بانفسنا، أن حدودنا الأرض والسماء. وأننا أن خانتنا عافيتنا، فيكفي لنا شرف المحاولة.
تعلمنا الحياة أننا وعندما نظن أنفسنا أمام النهاية، فأننا في حقيقة الأمر لا نكون غير في بداية جديدة تضيف إلينا المزيد من الخبرة والتجارب بتأني وحكمة. أن نؤمن بقضايانا وأننا قادرين على الخلق والإبداع وأن العثرات لا تزيدنا غير إصرار وتحدي.
وتعلمنا أن لا نجاح بغير مثابرة ولا فوز بغير إجتهاد ولا وصول بغير إنطلاق. الوقوف ساكناً يُشل العقل ويأسر الروح ويغيبها في مجرات مظلمة لا تسكنها غير الأرواح الضائعة، التي لا مكان لها بيننا.
تعلمنا الحياة لذة الخلود الى إنفسنا في الأماسي الدافئة بعد نهارات شاقة استنزفت طاقتنا وحولتنا الى مخلوقات هشة بالكاد تملك القدرة على الحركة، حينها نتقرب الى أنفسنا أكثر، ونسعد بصحبتنا وندرك كم نحن رائعون في كفاحنا ورغبتنا بالإستمرار رغم كل ذلك.
لك الحق أيها الإنسان أن تفخر أنك هنا تنتمي الى هذه الحياة، أنك أقوى من أن تقرر إعتزالها، أنك وبقرارة نفسك قررت ان تستمر بالسير، فأن جاءت كما طابت، رقصت معها، وان خانت ولوت ظهرها لك، أهملتها وسرت بطريقك مستقيماً، وأن تعثرت فلا تيأس، فالعثرات بالنهاية هي من تعلم السير.
مَن يُروض مَن؟ تلك ليست القضية. الحكمة ان تجيد الرقص على إيقاع السنين بدل انه تصبح مسرحاً لرقص السنين عليك.
لينا سياوش
مقالات الرأي تعبر عن أصحابها وليس بالضرورة عن SWED 24