رأي/ ليس ثراءُ المفرداتِ فحسب الذي يستهويني في كتابات احلام مستغانمي و إنما إلى جانب ذلك عمقُ العباراتِ و قدرتها الفريدة على التغلغل في مسار واحد إلى داخل العقل و القلب و حثّهما على اعادة القراءة و الإمعان في خفايا النصوص الفريدة في جرأتها و فرادتها في وسط ثقافي- إجتماعي إعتاد على التخفّي و إنكار المشاعر مهما كانت بريئة و صادقة تحت مسمّيات عدة أبرزها على الإطلاق ( العيب و العادات و الإرث الديني).
وثمّةَ بُعداً آخرَ ذو دلالةٍ ساطعةٍ هو المزج الدقيق و العفوي في ذات السياق لما هو عاطفي و إجتماعي على المستوى الفردي و الجمعي حيث لا تترد أحلام عن تسليط الضوء على القهرِ الذي تنوءُ المرأةُ الشرقيةُ تحتهُ بإعتبارهِ جُزءاً عضوياً للقهر الإجتماعي و تَسَلُّطِ الحكّام و تشبثهم بالسلطةِ بكل أدواتهم القمعية. (فقد صار ضرورياً تأسيس حزب عربي للنسيان. سيكون حتماً أكبرُ حزبٍ قومي). (أُراهن أن يجد هذا الحزبُ دعماً من الحكّامِ العرب، لأنهم سيتوقّعون أن ننسى، من جملةِ ما ننسى، منذُ متى يكَُممنا بعضهم، وكم نَهَبَ هو و حاشيتهُ من أموالنا، و كم عَلِقَ على يديه من دمائنا).
“سأُكررُ حماقةَ الشعوب العربية التي درجت عبرَ التاريخ أن تتّكئ على مُحتَلٍ لتتخلّصَ من طاغية”
أحلام تطوّحُ بالمحظورات أياً كان نوعها مستفزةً على نحوٍ واعي إرادات النساء الساكنات خوفاً من المجتمع لتقول لتلك النسوة ( يكفي ان تكسب المرأةُ معركتها الأولى، حتى ينبتُ لها جناحان، و لايعود بإمكانِ أحدٍ أن يهزمها).

ومضات عميقة من سطور كتاب النسيان: ” إبتعدي عن رجلٍ لا يملكُ شجاعةَ الإعتذار”.
” لو عرفَ الرجالُ عظمةَ رجولةٍ تعترفُ بالخطأِ، لتجمّلوا بالإعتذار”، بهذه الصفةُ بالذات يُقاس السموّ الخُلقي لرجلٍ يرى في إعترافهِ بالخطأِ فضيلةً، لا إنقاصاً من كرامتهِ”.
” أنَّ العطاءُ هو إحدى ملذات الحُب، و أحد مقاييسهُ”.
” يعتقد الرجلُ، وهو يتخلّى عن حُبُ حياتهِ، إنه يناصرُ لكبريائهِ. فتقبّلُ الخسارات الفادحة، لمجرد رفع التحدّي ليس أكثر، هو جزءٌ من فحولةِ تاريخنا العربي، الذي يُضحّي فيهِ الحاكمُ المُستَبِدُ بوطنٍ ويسلّمه للمُحتلِ، حتى لا يخسرَ ماءَ وجههِ و يتنازلَ عن عنادهِ”.
“لن تندمَ وأنت على فراشِ الموت، لأنكَ لم تحصلَ على ترقيةٍ، بل لأنكَ لم تقضِ الوقتَ الكافي مع من تُحِب”.
من الإقتباسات الموجِعة التي إلتقطتها أحلام ” ظللتُ أتَذَمَرُ من عدم إمتلاكي حِذاءً، حتى رأيتُ رجلاً بلا قدمين” – كونفوشيوس .
والأن وقد وصلتُ لآخرَ حرفٍ في كتاب النسيان لأحلام مستغانمي لعلّني طامعٌ ان ادوّنَ و بتركيز شديد بعضَ ما إستشفيته من معانٍ خلف و بين السطور:
ثمّةَ فيضٌ من التساؤلات تولِّدها القراءة المتأنية لأحلام مستغانمي وهذه الأسئلة تكون بمثابةِ بواباتٍ مُدهشة تقود القارئ إن لم يكن منتبها بما فيه الكفاية إلى زُحامٍ من فوضى المشاعر و اللامعقول حين تهتز ولو للحظة مُسلّلماتٍ دأبنا على الركون اليها دون رغبةٍ بالتمحيص ” من الصعبِ أن تَحِبَّ، و تكونَ حكيماً”.
قراءة: عباس الجنابي ـ أوبسالا
ملاحظة/ يمكن إستعارة الكتاب لدى المكتبات العامة في السويد
