(مقال رأي ) سنوات العقد الأخير لم تكن سنوات سهلة، بل كانت متسارعة، قاسية، عصية على الفهم في الكثير من الأحيان، حتى انها لم تمهلنا فهم ما نمر به. أصبحنا نرى العالم من منظور اخر، أصبحت الحياة شاقة بما فيها من تحديات تفوق في بعض الأحيان قدرتنا على التحمل. فارقنا احبة، تعلمنا الكثير وجعلتنا الحياة أقوى بكثير لمواجهتها، علمتنا الحياة كما تعلم الام أطفالها ان القوة تأتي بعد ضعف وان النهوض يأتي بعد سقوط.
تغيّر العالم بأسره وتغيرنا معه، كضرورة للتكيف مع حجم الضغوطات التي نعيشها وبغير ذلك ما كان لنا الاستمرار.
المرآة تعكس ما نأبى رؤيته، يجعلنا الوقوف امامها في تساؤل عن من هو الشخص الذي تنعكس صورته مرتدة لنا. هؤلاء نحن بعد ان رسمت سنوات الحياة بفرشاتها علينا وحولت وجوهنا الى مدينة قديمة بأزقة دفينة مليئة بالذكريات، هناك حيث نأخذ برهة من عالمنا المتسارع الخطى، لنجلس في مقهى، نساه الزمن لحسن الحظ.
علمتنا السنوات الأخيرة دروس صعبة وأصبح البشر في العالم بأجمعه يتشاركون نفس المصائب رغم البعد ورغم اختلاف الثقافات والمعتقدات. أصبحنا نحن البشر نعي ان الويلات والأمراض عندما تعم على مكان ما لا تميز بين فقير وغني أو بين شرق أوسطي وأوروبي أو أمريكي أو صيني، علمتنا الشدائد ان نتحد كبشر. ان تكون قضيتنا واحدة، علنا نفهم.
هل الحياة مُرهقة؟ نجاملها ان قلنا نعم، لأنها قد تكون أقسى من ذلك بكثير، كم مرة تعثرنا وسقطنا؟ وكم مرة أقسمنا ان لا شيء في الحياة يستحق ان يُعاش له؟ كم مرة حاولنا ان ندير ظهرنا له؟ وكم مرة حاولنا التزام الصمت بحضورها فقط للتعبير عن استياءنا منها؟ كم وكم وكم؟ لكن وفي كل مرة يعيدنا الى احضانها من جديد بصيص أمل، يجعلنا نتشبث بها، لا بل نقاتل من اجلها، نحن الذين كنا بالأمس كارهين لها حاقدين عليها، هل لأن الصعوبات تزيد عشقنا للحياة؟
تتحدانا الحياة ونتحداها، نُبارزها وتبارزنا، تثقل علينا كواهلنا فندير لها ظهورنا، لكننا في دواخلنا نتحسر للاستزادة منها ولا يزيدنا ذلك غير رغبة في التمسك بها بقوة أكبر، ربما لإدراكنا أنها لن تدوم لنا للأبد وان علينا التمتع بها ما استطعنا وان أثقلت الأحمال ظهورنا، لأننا ببساطة لا نملك غير هذا القرار.
لم يُخلق البشر ليكونوا مثاليين، بل نحن كائنات قابلة للخطأ والوقوع والنهوض من جديد، بفهم وإدراك حقيقيين لأنفسنا وللمحيط الذي نعيشه.
لا حياة للسنوات. بل نحن من نمحنها الحياة ونحن من نضع لها العناوين، ونحن من نقرر كيف نريدها ان تكون، أحيان تغافلنا الاقدار بأمر أكبر منا لذا لا تأتي دائما كما نشتهيها او نتمناها، تعاكسنا مرات وتشاكسنا أخرى وتتصالح معنا ثالثة. هكذا هي منذ الأزل.
لا ثالث بين خيارين، الحياة او اللا حياة. وللذين حسموا امرهم واختاروا الحياة، عليهم الان ان يستعدوا جيداً ويفتحوا أبوابهم للعام الجديد دون النظر الى الوراء، بقوة محارب لا طريق له غير المضي نحو الأمام.
اجلسوا في مقاعدكم، تحزموا، واستعدوا سننطلق قريباً الى العام الجديد… كل رحلة وأنتم سالمون.
لينا سياوش
مقال رأي: المقالات تُعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24
المزيد من مقالات لينا سياوش