انطلقت في جامعة كامبردج بلندن فعاليات الدورة الخامسة لمؤتمر مخطوطات القرن السابع الهجري، بتنظيم من دار المخطوطات في إسطنبول بالتعاون مع كلية العلوم الإسلامية في جامعة كامبردج.
يهدف المؤتمر إلى تسليط الضوء على الدور الذي لعبته المخطوطات الإسلامية في تطور العلوم والطب والفن، ورفع الوعي حول إسهامات الحضارة العربية والإسلامية في النهضة الحضارية، والتي تم تهميشها بفعل التركيز على الثورة الصناعية الأوروبية كأصل للتقدم العلمي.
أهمية المخطوطات في النهضة الحضارية
يؤكد المؤتمر على أهمية المخطوطات الإسلامية التي تعود إلى القرن السابع الهجري (القرنين 12 و13 الميلاديين) ودورها المحوري في تشكيل النهضة العلمية الحديثة. تلك المخطوطات تضم إسهامات في الطب، العلوم الطبيعية، الفلك، والفلسفة، وهي إسهامات كانت لها دور كبير في بناء المعرفة التي تستند إليها الحضارات الحديثة.
تفنيد سرديات تهميش الحضارة العربية والإسلامية
جاء المؤتمر ليؤكد على أن سرديات انحدار الحضارة العربية والإسلامية بعد القرن الثالث الهجري ليست سوى افتراء يهدف إلى تهميش الإرث الحضاري الإسلامي. هذه السرديات تجاهلت الإسهامات العلمية الكبيرة التي قدمها العلماء العرب والمسلمون في القرون اللاحقة، وكان هدفها الأساسي إضعاف الثقة بالنفس في المجتمعات العربية والإسلامية، مما أدى إلى الانقسامات والإحباطات التي تعيشها تلك المجتمعات اليوم.
إحياء الثقة بالنفس من خلال العلم
أحد الأهداف الرئيسية للمؤتمر هو إعادة الثقة بالنفس بين المواطنين العرب، ودعوة العلماء والمفكرين إلى العودة لدراسة المخطوطات والمصادر التاريخية. تؤكد المخطوطات على إسهامات العلماء في مجالات الطب والعلوم الرياضية والطبيعية خلال تلك الفترة، والتي لا تزال تشكل أساسًا مهمًا للعلوم الحديثة.
إسهامات العلماء في القرنين السادس والسابع الهجريين
خلال القرنين السادس والسابع الهجريين، برز عدد من العلماء الذين ساهموا بشكل كبير في تطور العلوم والفكر. من أبرز هؤلاء العلماء:
الإمام الغزالي: فيلسوف وعالم في الفقه والتصوف.
ابن رشد: فيلسوف وطبيب مشهور بشروحه لأرسطو.
الشريف الإدريسي: جغرافي بارز رسم خريطة العالم.
ابن النفيس: مكتشف الدورة الدموية الصغرى.
مشاركة الشخصيات البارزة
شهد المؤتمر مشاركة العديد من الشخصيات البارزة في مجال الدراسات الإسلامية. فاروق الدباغ، استشاري في السلوك المعرفي ومدير المنظمة الأوروبية العربية للتبادل الثقافي في السويد، كان من بين المشاركين. كما شارك الدكتور عصام البدري، رئيس المنظمة الأوروبية العربية للتبادل الثقافي، والبروفسور أدهام محمد حنش، خبير منظمة الإيسيسكو لدول العالم الإسلامي، كضيف شرف.
فاروق الدباغ لـ SWED 24: التحديات في ظل تصاعد خطاب الغوغاء
في تصريح خاص لـ SWED 24، تحدث فاروق الدباغ، استشاري في السلوك المعرفي ومدير المنظمة الأوروبية العربية للتبادل الثقافي في السويد، عن التحديات التي تواجه المجتمعات العربية في ظل تصاعد خطاب الغوغاء والمعلومات المضللة، وخاصةً عبر منصات التواصل الاجتماعي. وقال الدكتور الدباغ:
“قال الإمام علي (عليه السلام): “الغوغاء ليس له عقل.” واليوم نرى أن لغة الغوغاء تعلو وتنتشر، خاصةً مع بزوغ منصات التواصل الاجتماعي التي فتحت الأبواب على مصراعيها ليرتفع صوت التفاهة والتضليل، تحت شعار حرية التعبير. أصبحت هذه المنصات حاضنة لسوء استخدام الديمقراطية، حيث تشوه الحقائق وتروج للمعلومات المضللة، مما يوفر مادة دسمة للأحزاب العنصرية التي تستغل ذلك لتشويه سمعة المهاجرين والعرب في بلاد المهجر.”
وأضاف: “لقد استغلت هذه الأحزاب في أوروبا الصورة النمطية السلبية المأخوذة عن المستشرقين الجدد، والذين يصورون أن الغوغاء يمثلون العرب في المجتمعات الغربية، مما يعزز الاعتقاد بأن الحضارة الإسلامية انحدرت بعد القرن الهجري الثالث. لكن في حقيقة الأمر، عرض المخطوطات التاريخية والأعمال الفكرية القيمة يقدم دليلاً واضحًا للعقلاء على أن التفاهة والجهل لا يمثلان إلا أنفسهما، وأن التاريخ العربي مليء بالإنجازات والمآثر.”
وأكد الدباغ: “إن هذا التاريخ الزاهر يمنحنا فرصة لإعادة إحياء أمجاده، إذا ما استندنا إلى العلم وابتعدنا عن الجهل والمصادر الفاسدة، مثل بعض منصات التواصل الاجتماعي التي أفسدت العقول وحطمت القيم، وشرّعت الانحلال وسوّدت الجهلاء والتافهين.”
وختم قائلاً: “العرب، بكل أطيافهم ومعتقداتهم، لا يفرقون بين الناس ولا يدعون إلى العنصرية أو المقاطعة. وهذه المخطوطات تشهد على ذلك، حيث نجد فيها عالماً عربياً إلى جانب قبطياً أو فارسياً أو كردياً، وقد قدموا جميعاً إسهاماتهم في مجالات العلم والطب والفن وعلوم المجتمع دون قيود على الدين أو القومية. هذه الشراكة العلمية التي أسست لمبادئ حضارية عظيمة، تثبت أن المعرفة لا تعرف حدوداً، وأن الوحدة الفكرية كانت هي سر التقدم.”
الخاتمة
يسلط المؤتمر الضوء على التراث العلمي العربي والإسلامي، ويؤكد على ضرورة إعادة دراسة المخطوطات الإسلامية التي ساهمت في تشكيل الفكر العلمي الحديث. من خلال تعزيز هذا التراث، يمكن للمجتمعات العربية أن تستعيد ثقتها وتواجه التحديات المعاصرة بنجاح.