ستوكهولم – صحافة سويدية: نشرت صحيفة Expressen السويدية، اليوم الثلاثاء، تحقيقاً صحفياً ميدانياً بقلم الصحفي المعروف قاسم حمادي، قال فيه، إنه في ظل تصاعد العنف في سوريا، “يفر الآلاف من اللاجئين مشيا على الأقدام بحثاً عن الأمان، بعد تعرضهم لمذابح وحشية في مناطقهم. مشاهد الدمار والرعب لا تزال ماثلة في أذهان الناجين، حيث أُجبروا على ترك منازلهم بعد رؤية أقاربهم يُسحبون من بيوتهم ويُقتلون بدم بارد”. حسب ما جاء في التحقيق.
محنة اللاجئين عبر الحدود
“أطلقوا النار على ستة من أفراد عائلتي. هربنا حفاظًا على حياتنا” بهذه الكلمات المليئة بالألم، تروي أم أحمد قصتها للصحيفة بعد نجاتها من إحدى المجازر.
فمع وصول اللاجئين إلى الحدود اللبنانية، يتلقون مساعدات بسيطة متمثلة في الأرز والدجاج، بينما تتزايد أعداد النازحين بوتيرة سريعة. في بلدة تل البيرة اللبنانية، يحاول المسؤولون المحليون توفير المساعدات للوافدين الجدد وسط وضع إنساني متأزم.
يقول رئيس البلدية عبد الحميد صقر للصحيفة: “استقبلنا أكثر من 1,500 سوري في الأيام الخمسة الماضية. لدي أصدقاء وأقارب على الجانب الآخر من الحدود، وما يحدث هناك مرعب. أعداد القتلى تتزايد كل ساعة، ولا نتحدث فقط عن ألف قتيل، بل العدد أكبر من ذلك بكثير“.
حظر توثيق المجازر
يحاول اللاجئون التواصل مع ذويهم في سوريا، لكن العقبات أمامهم كبيرة. يؤكد عبد الحميد صقر أن “هيئة تحرير الشام” تقوم بمصادرة جميع الهواتف المحمولة لمنع توثيق الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب.
خمسة أيام فقط كانت كافية لإغراق الإنترنت بمقاطع فيديو مروعة تُظهر عمليات إعدام جماعية، صورها الجناة أنفسهم. بعض هذه المشاهد تعيد إلى الأذهان أبشع فصول الحرب السورية، حيث أجبر المسلحون أفراداً من الطائفة العلوية على النباح كالكلاب قبل تصفيتهم، كما يظهر أحد الفيديوهات رجلاً مستلقياً على الأرض يتوسل من أجل حياته، قائلاً: “لدي أطفال، لا تقتلوني”.
حصيلة القتلى ترتفع والمجازر تتوسع
وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قُتل أكثر من 1,000 مدني في أكثر من 40 مجزرة استهدفت العلويين خلال الأيام الأخيرة فقط.
ومن بين الناجين، أم أحمد، التي تنحدر من قرية صغيرة قرب حماة، رفضت الكشف عن اسمها خوفاً من الانتقام. تروي لصحيفة Expressen كيف هاجمت الميليشيات قريتها منذ خمسة أيام فقط، حيث قُتل رجال وأطفال أمام أعين عائلاتهم. فقدت أم أحمد والدها، وإخوتها، وأبناءهم، مؤكدة أن أعداد القتلى تفوق بكثير التقديرات الرسمية.
تحقيق حكومي في المجازر
الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع أمر بتشكيل لجنة تحقيق للنظر في هذه المجازر، مكونة من قضاة ومحامين ومسؤول عسكري، على أن تُقدّم نتائجها خلال شهر. في مقابلة مع وكالة رويترز، قال الشرع: “لن نقبل أبدا أن تُسفك قطرة دم واحدة دون تحقيق العدالة، بغض النظر عن أي شيء“.
ووضع الشرع اللوم على عناصر أمنية تابعة للنظام السابق، حيث قال: “بعض أفراد النظام المنهار، وخاصة من الفرقة الرابعة، المعروفة بصلاتها الإقليمية، نفذوا هجوماً عسكرياً واسعاً في الساحل السوري. هذا أدى إلى مقتل عدد كبير من عناصر الأمن، مما تسبب في هذا التصعيد الدامي“.
الخوف يسيطر على السكان
ورغم تطمينات الحكومة، يعيش السوريون في رعب دائم. تقول أم أحمد للصحيفة: “هربنا داخل سوريا أول مرة عندما سقط النظام، لكننا عدنا بعد أسبوع معتقدين أن الأمور أصبحت آمنة. لكن الوضع الآن كارثي. الناس يُقتلون في منازلهم، في الشوارع. استطعنا دفن موتانا، لكن الكثيرين لم يحظوا بهذه الفرصة. جثث القتلى لا تزال في العراء وفي مجاري الأنهار“.
وفي مدينة بانياس الساحلية، تزايدت التقارير عن استهداف الأقليات بوحشية. تقول إحدى الناجيات: “أنا وأطفالي ما زلنا أحياء. لكن جيراني قُتلوا، وجثثهم لا تزال في منازلهم، ولا يُسمح لنا بدفنهم. اليوم أكثر هدوءاً، لكننا نخشى أن تعود المجازر من جديد“.
الهروب المستمر نحو لبنان
مع استمرار تدفق اللاجئين، وصلت ميساء سعدات وزوجها حسن إلى الحدود على متن دراجة نارية، فيما ينتظر أطفالهما على الضفة الأخرى من النهر. أقدامهم متورمة ومغطاة بالطين البارد بعد عبورهم طريقاً وعرة مليئة بالوحل.
تقول ميساء للصحيفة: “آلاف الأشخاص في طريقهم إلى لبنان. العديد من القرى تم إخلاؤها بالكامل. أطفالي ينتظرون عند النهر على الجانب اللبناني، وزوجي سيعود لجلبهم قريباً. رأينا بأعيننا كيف أطلقوا النار على الناس. طردونا من بيوتنا وأراضينا، وأهانونا بكلمات عنصرية“.
ورغم المأساة، لا تزال ميساء تحتفظ ببصيص من الأمل، وتقول قبل أن تغادر إلى لبنان: “لن أعود إلا عندما يحكمنا رئيس لا يستخدم جنوداً مقنّعين لقتلنا“.