رأي: شهدت مدينة أوربرو السويدية يوم الثلاثاء 4 فبراير 2025 حادثة مروعة، حيث قام رجل سويدي في الثلاثينيات من عمره بتنفيذ هجوم مسلح داخل مدرسة ريسبيرسكا سكولان، التي تقدم التعليم اللغوي والمهني للاجئين والمهاجرين. وأسفر الحادث عن مقتل 11 شخصا وإصابة العشرات، وكان معظم الضحايا من اللاجئين العرب والمسلمين، مما أثار تساؤلات حول الدوافع المحتملة للجريمة.
ازدواجية في التوصيف؟
رغم بشاعة الجريمة، وصفت الشرطة السويدية الجاني بأنه شخص يعاني من العزلة والاضطرابات النفسية، وأكدت عدم توفر أدلة حتى الآن على وجود دوافع أيديولوجية وراء الهجوم. ويثير هذا التوصيف تساؤلات حول كيفية التعامل مع مثل هذه الحوادث، حيث يتم تصنيف الهجمات التي ينفذها أفراد من خلفيات مهاجرة بسرعة كأعمال إرهابية، بينما تُطرح تفسيرات نفسية أو اجتماعية في حالات أخرى.
تصاعد الخطاب السياسي وتأثيره
تأتي هذه المجزرة في ظل تصاعد خطاب معادٍ للمهاجرين والمسلمين في بعض الأوساط السياسية والإعلامية، وهو خطاب ساهم في خلق بيئة توتر متزايد. ففي الفترة الأخيرة، صدرت تصريحات سياسية مثيرة للجدل بعد مقتل سلوان موميكا، الذي كان قد أثار موجة من الغضب بعد حرقه للقرآن الكريم. وبدلاً من انتظار نتائج التحقيق، دعا بعض السياسيين إلى ترحيل من احتفل بمقتله، مما يعكس ازدواجية في توصيف الأحداث وتوجيه الاتهامات.
ومن المهم في هذا السياق التأكيد على أن معالجة قضايا العنف والتطرف يجب أن تتم وفق أسس قانونية عادلة ومتساوية، بغض النظر عن هوية الجاني أو الضحية.
أهمية دور الإعلام والمجتمع
الإعلام له دور حاسم في تشكيل الرأي العام، لذلك من الضروري أن يتسم بالحياد والمهنية في تغطيته للأحداث، دون الانحياز إلى روايات تبرر العنف أو تحرض على فئة بعينها. ومن الضروري أن يتجنب الإعلام تبسيط الجرائم أو إيجاد مبررات غير متكافئة لها، وأن يسلط الضوء على الجوانب الحقيقية للقصص دون تحريف الحقائق.
كما يجب على المجتمع المدني، بجميع مكوناته، أن يلتزم ببناء ثقافة الحوار والتعايش، والتصدي لكل أشكال العنصرية والكراهية، سواء كانت موجهة ضد المهاجرين أو أي فئة أخرى.
إجراءات ضرورية لمنع تكرار مثل هذه الحوادث
حتى لا تتكرر مثل هذه المأساة، هناك ضرورة لاتخاذ خطوات جدية لتعزيز التماسك الاجتماعي، ومن بين هذه الخطوات:
أولاً: مكافحة خطاب الكراهية: يجب تعزيز القوانين التي تجرّم التحريض العنصري، واتخاذ إجراءات ضد أي جهة سياسية أو إعلامية تعمل على تأجيج التوترات المجتمعية.
ثانياً: مراجعة توصيف الجرائم الإرهابية: ينبغي التعامل مع جميع الهجمات المسلحة بنفس المعايير، بغض النظر عن خلفية الفاعل، لضمان العدالة والشفافية.
ثالثاً: إصلاح الخطاب الإعلامي: يجب على وسائل الإعلام أن تلتزم بالمهنية والحياد، وألا تتبنى روايات تبرر العنف أو تعطي انطباعًا بازدواجية المعايير.
رابعاً: تعزيز الشراكة المجتمعية: يجب العمل على بناء مجتمع أكثر شمولا وتكافؤا، يعترف بتنوعه ويضمن حماية جميع أفراده دون تمييز.
نحو مجتمع أكثر عدالة وسلاما
إن مجزرة أوربرو ليست مجرد حادثة منعزلة، بل هي مؤشر على تصاعد التوترات المجتمعية وتأثير الخطاب العنصري على الأمن والاستقرار. ومن هنا، فإن مسؤولية مواجهة هذا الواقع تقع على عاتق الحكومة، الإعلام، والمجتمع المدني، لضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي في المستقبل.
يجب أن تكون هذه الحادثة نقطة تحول نحو سياسات أكثر عدالة، وإعلام أكثر مهنية، ومجتمع أكثر تضامنا.
محمد ناهي
مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24