يردد المجتمع السويدي على الدوام هذا الشعار “الكل متساوون بالقيمة، وتعني بالسويدية ALLA LIKA VÄRDE.
عندما كنت أعمل في سلك التعليم بالسويد، كنا نسعى دوماً، لتكريس مفهوم المساواة والقيمة الواحدة لجميع الطلبة مهما اختلفت خلفياتهم الدينية والقومية ولون البشرة وغيرها من الاختلافات.
الغاية كانت توجيه النظر بعين واحدة للجميع والمساواة في قيمة الناس مهما اختلفوا، ونبذ العنصرية منذ الطفولة لينمو هذا الشعور معهم وينغرس بأعماقهم كقيمة انسانية مهمة لها تأثير مباشر على مجمل تصرفاتهم فيما بعد.
لكن ما رأيناه بأم أعيننا في الفترة الأخيرة يناقض وينفي هذا المفهوم وبشكل غريب.
في الفترة من 2014-2018 شهدت السويد وأوروبا عموماً موجة نزوح كبيرة للاجئين القادمين من دول الشرق الأوسط وأفريقيا والهاربين من أتون الحروب في سوريا وليبيا واليمن ونيجيريا، وغيرها من الأسباب التي تضطر الإنسان للمخاطرة بحياته للوصول الى دول أمنة.
بعض هؤلاء اللاجئين غرقوا في البحار وبعضهم دفع اموالاً طائلة وبعضهم رأى الويل وأصبح ضحية النصب والاحتيال من قبل مافيات التهريب في تلك الرحلات، لكن أوروبا استنفرت كل جهودها في سبيل عدم وصول هؤلاء إليها. استخدمت جيوشها لوقف عمليات النزوح، كما استخدمت العنف أحيانا مع هؤلاء اللاجئين.
سكرتير حزب عنصري في السويد (سفاريا ديموكراتنا) ذهب بنفسه الى تركيا لمجمعات اللاجئين ورفع لافتة مكتوب فيها “السويد لا ترحب بكم”.
أوروبا غيّرت من قوانين الهجرة للحد من قبول الوافدين لهذه البلدان وكذلك أعطت رسالة واضحة لمن ينوي القدوم لهذه البلدان بعدم منحه الإقامة بشكل سهل، والأحزاب تسابقت في إظهار رفضها للاجئين.
سكرتير حزب عنصري في السويد (سفاريا ديموكراتنا) ذهب بنفسه الى تركيا لمجمعات اللاجئين ورفع لافتة مكتوب فيها “السويد لا ترحب بكم”.
الحكومة المجرية هددت بالخروج من معاهدة دبلن التي ترعى حقوق اللاجئين، اليونان واسبانيا وايطاليا استخدمت شتى الوسائل السيئة مع اللاجئين حتى العنف.
الحكومة السويدية حينها كادت أن تسقط ان لم تكن قد اذعنت لرغبات حلف اليمين المتطرف والعنصريين في تشديد قوانين الهجرة.
أذعنت الحكومة وسنت أتعس القوانين الإنسانية بحق اللاجئين والتي كانت تعتبر عنوان خاص للسويد الإنسانية قبل ذلك.
طبعا كل هذا بالتوافق بين دول الاتحاد الأوربي لسن قوانين هجرة جديدة تتشدد بقبول اللاجئين.
قبل أربعة أشهر أنشغل العالم بقضية اللاجئين العالقين بين الحدود البيلاروسية وبولونيا، وجميع هؤلاء كانوا من الشرق الأوسط.
بولونيا رفضت دخولهم عبر بلدها ومن خلالها لدول الاتحاد الأوربي.
بولونيا بنت أسلاك شائكة في تلك المنطقة، واستخدمت شتى أنواع العنف وحتى الرصاص ضد هؤلاء (هنالك شهادة لجندي بولوني بهذا الخصوص).
قتل بعض من هؤلاء وتوفى طفل وكذلك امرأة عراقية توفت هناك وألقت السلطات البولونية جثتها على الحدود البيلاروسية، ناهيك عن ويلات البرد والثلج في تلك الأيام.
ماذا يحدث الآن في الحرب الروسية الأوكرانية بخصوص اللاجئين؟
أوربا فتحت جميع أبوابها لجميع اللاجئين الأوكرانيين، طبعا هم يستحقون العناية نتيجة هذه المأساة الإنسانية، هناك وسائط نقل تنقلهم من مكان الى آخر وبالمجان الى آخر نقطة يرغبونها، وجرى تعميم بلاغ بفسح المجال لهم بالتنقل المجاني وبكل وسائل النقل الأوربية، بمعنى لا تهريب ولا دفع أموال أو مشاكل مع المهربين أو مخاطر بعملية الهجرة هذه.
السلطات والناس ليسوا متذمرين مثلما كانت الأجواء مع غيرهم من اللاجئين .دول الاتحاد الأوروبي منحتهم إقامات مباشرة لمدة ثلاث سنوات، وزعيم الحزب العنصري نفسه الذي ذهب لتركيا للتظاهر ضد اللاجئين يؤيد الآن سياسة السويد والاتحاد الأوروبي بخصوص اللاجئين الأوكرانيين. “سبحان مغير الأحوال يمكن نزل عليه وحي المحبة للأجانب واقنعه يغير رأسه، عفواً عقله”!
التصرف مع الناس بهذا الشكل وتمييزهم رغم مآسيهم المشتركة هو نوع من التمييز العنصري.
السويد والاتحاد الأوربي أثبتوا بأنهم ينظرون للناس بأعين مختلفة بعيداً عن النظرة الإنسانية التي طالما تبجحت بها هذه الدول.
الآن هنالك فرق في التعامل مع البشر على أساس الانتماء القومي وعلى أساس القاري.
التصرف مع الناس بهذا الشكل وتمييزهم رغم مآسيهم المشتركة هو نوع من التمييز العنصري.
أين ذهبت كل تلك القيم التي طالما تبجحت بها هذه الحكومات؟
أين ذهب شعار “الكل متساوون بالقيمة”؟
هل هنالك من يستطيع أن يقنعني بأن السويد ودول الاتحاد الأوربي تعمل بمبدأ المساواة والحقوق والقيمة المتساوية للجميع؟
مازن الحسوني – ستوكهولم