رأي: لطالما كانت السويد البلد الذي يعانق فيه القانون الحرية كصديق مقرب، حيث يسير النظام بانسيابية إلى درجة تشعرك وكأن الحياة هنا سيمفونية مثالية، بعيدة كل البعد عن الفوضى التي قد تعيشها مجتمعات أخرى. لكن، يبدو أن هذه السيمفونية تواجه الآن نوتات شاذة مع حكومة أحزاب تيدو الحالية، التي تحكم البلاد بتأثير واضح من حزب SD، في موجة غير مسبوقة من التغييرات القانونية التي بدأت تعصف بجذور مجتمع اعتاد على مساحة واسعة من الحرية.
السويديون، بطبيعتهم، لا يحبون المفاجآت التي تعكر صفو روتينهم الدقيق. هم أناس يفضلون النظام والانضباط، وتجدهم يتركون مسافة بينك وبينهم، ليس جسدياً فقط، بل حتى عاطفياً حتى يتيقنوا أنك شخص يمكن الوثوق به. لذا، فإن أي محاولة لزحزحة هذه القيم المقدسة يمكن أن تشعل فتيل الاستياء بسرعة، خاصة إذا مست التغييرات الحريات التي تشكل العمود الفقري لهذا المجتمع.
التأثير الواضح لحزب SD على القرارات الحكومية أصبح محورياً، رغم أنه ليس جزءاً رسمياً من الحكومة. الحزب يدفع بسياسات تركز على تقليص الهجرة وتشديد القوانين المتعلقة باللاجئين، لكن تطبيق هذه السياسات أحياناً يطال السويديين أنفسهم، مما يضع الحكومة أمام اختبار صعب لإرضاء القاعدة الشعبية المتباينة.
في خطوة مثيرة للجدل، اقترح حزب SD إقامة نصب تذكاري لمجتمع الميم في قلب ضاحية رينكبي ذات الغالبية المهاجرة، رغم عدم مناصرته لهذه الفئة. الخطوة تسعى لتعميق الانقسامات، ما يعكس سياسة الحزب التي تستهدف المهاجرين بشكل مباشر، والتغافل عن التحديات التي قد يخلقها هذا النهج على التماسك المجتمعي.
أحد الأمثلة التي ألهبت الجدل كانت قصة السيدة السويدية التي صودرت ممتلكاتها، سيارتها وكوخها الصيفي وحتى أثاثها، فقط لأنها مرتبطة برجل غارق في الديون. لم يشفع لها إثبات ملكيتها للمصادرات، حيث وقع مصيرها ضحية لقانون “من أين لك هذا؟”، المصمم أصلاً لاستهداف ثروات العصابات الإجرامية، لكنه أظهر أن الشباك القانونية قد تصطاد أكثر مما هو مطلوب. في السويد الجديدة، يبدو أن حبك لشخص مُدان مالياً قد يكلفك أكثر من مجرد أعصابك.
السؤال الأكبر هنا هو: كيف يمكن لمجتمع اعتاد على الحرية والقيم الإنسانية أن يتواءم مع سلسلة قوانين صارمة، بعضها يستلهم من سياقات اجتماعية وثقافية مختلفة تماماً؟ الدمج بين مجتمع يقدس النظام وبعض المجتمعات التي تعاني من ثقافة عدم الامتثال قد يبدو أشبه بمحاولة مزج الزيت بالماء. النتيجة ليست فقط انقسامات متزايدة، بل أيضاً خطر زراعة بذور التوتر العنصري والاجتماعي.
التحدي هنا ليس بسيطاً. السويد، التي طالما كانت رمزاً للحرية والحياد، تواجه الآن اختباراً عسيراً. هل ستتمكن من الحفاظ على قيمها التقليدية في ظل موجة التغيرات الجارفة؟ أم أن الكفة ستختل لصالح قوانين قد تخلق شرخاً أعمق في نسيجها المجتمعي؟ الأكيد أن السنوات القليلة المقبلة ستكشف عن مصير هذا التوازن الهش، وقد تحمل معها مفاجآت لا تقل دراماتيكية عن مسلسل سياسي طويل الحلقات.
مع بقاء عامين على الانتخابات، يبدو أن السويد تتجه نحو انقسام سياسي واجتماعي أكثر وضوحاً. التغييرات القانونية التي شهدتها البلاد في العامين الأخيرين قد تكون مجرد بداية لتحولات أعمق. السؤال الأكبر هو: هل يمكن تحقيق التوازن بين تعزيز الأمن والحفاظ على القيم الراسخة التي تميز المجتمع السويدي؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح السويد في المستقبل القريب.
لينا سياوش
مقالات الرأي تُعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24